الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 260 ] 117 - باب بيان مشكل ما روي عنه في أمره علي بن أبي طالب في حجه بالقيام على بدنه وبما أمره به في ذلك وخاطبه به فيه

789 - حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن { علي رضي الله عنه قال : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم على بدنه وأن أقسم جلودها وجلالها وأمرني أن لا أعطي الجازر منها شيئا ، وقال : نحن نعطيه من عندنا } .

[ ص: 261 ] فاحتمل أن يكون عبد الكريم الذي روي هذا الحديث عنه هو عبد الكريم بن مالك الجزري ، وهو حجة عند أهل الحديث في الحديث .

واحتمل أن يكون هو عبد الكريم أبو أمية وليس عندهم بحجة في الحديث ، فكشفنا عن ذلك لنقف على حقيقته .

790 - حدثنا يونس بن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن { علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجزار الذي يجزر بدنه فأمرني أن أتصدق بأجلتهن ولحومهن وجلودهن ولا أعطيه من ذلك شيئا ، وقال : أنا أعطيه من غير ذلك } .

[ ص: 262 ]

791 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سيف بن أبي سليمان ، حدثنا مجاهد ، حدثني ابن أبي ليلى ، حدثنا { علي قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدنه بلحومها فقسمته وأمرني بجلالها فقسمتها وأمرني بجلودها فقسمتها } .

792 - حدثنا يزيد ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن { علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على البدن } ، ثم ذكر نحوه .

793 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد ، حدثنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، أخبرني حسن بن مسلم أن مجاهدا أخبره أن ابن أبي ليلى { أخبره أن عليا أخبره أن نبي الله أمره أن يقوم على بدنه وأمره أن يقسم بدنه كلها بلحومها وجلالها وجلودها في المساكين ، ولا يعطي في [ ص: 263 ] جزارتها منها شيئا } قلت للحسن : هل سمى فيمن يقسم بينهم ذلك ؟ قال : لا .

وفي هذا الحديث بيان منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا من إعطاء الجزار منها شيئا أنه كان في جزارته إياها التي يستحقها ، وأن ذلك لم يرد به أن لا يعطيه إن كان مسكينا منها كما يعطي من سواه من المساكين منها .

794 - وحدثنا الحسن بن بكر المروزي ، حدثنا النضر بن شميل ، أخبرنا إسرائيل أخبرنا عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن علي قال : { أهدى رسول الله عليه السلام مائة بدنة فيها جمل أبي جهل مزموم ببرة فضة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين منها ، يعني [ ص: 264 ] نحرها بيده وأعطى عليا أربعين ، وقال : تصدق بجلالها ولا تعط الجزار منها شيئا } .

فسأل سائل عن ما في هذه الآثار من الفوائد من وجوه الفقه .

فكان جوابنا له : أن فيها ثمان فوائد من ذلك الجنس فمنها : أن النبي عليه السلام قد كان من حكمه في بدنه أن يولي غيره نحرها عنه فيكون ذلك النحر الذي يتولاه مأموره بذلك نحرا مخالطا لنيته بغير نية من رسول الله عليه السلام مخالطة له ، وقد كان عليه السلام لو تولى نحرها بنفسه احتاج أن تكون نيته لما يريدها له مخالطة لنحره إياها ، وغني عن ذلك يعود هذا المعنى بمثله من مأموره ، وهذا باب جليل المقدار من الفقه .

وفيه أيضا أمره عليا بالصدقة بأجلة بدنه وخطمها وفي ذلك ما قد دل أن ما أريد للبدن من جلال وخطام يرجع إلى حكمها ويمتثل فيه ما يمتثل فيها من هذا المعنى .

[ ص: 265 ] وفيه أيضا إجازته لعلي استئجار من ينحرها بأجرة تكون إما في ذمته ، وإما في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست بعينها ، وأنه جائز له في ذلك ملك عمل بغير عينه على الجزار بأجرة بغير عينها يملكها الجزاز على جزارته ، ومخالفته بين ذلك وبين العقود في البياعات على الأشياء التي ليست بأعيان بأبدال التي ليست بأعيان ، ورده ذلك في العقود في البياعات إلى الكالئ بالكالئ الذي نهى عنه عليه السلام .

795 - كما حدثنا بكار وابن مرزوق قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن موسى بن عبيدة الربذي ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .

[ ص: 266 ] وهو الدين بالدين ، واحتمل أهل الحديث هذا الحديث من رواية موسى بن عبيدة وإن كان فيها ما فيها ، وهذا باب جليل أيضا من الفقه .

وفيه أيضا { أن البدن قد كان له فيما نحر عنه منها ولعلي فيما نحر منها عنه أن يأكلا من لحومها وقد فعلا ذلك فأكلا من لحومها } .

796 - كما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد ، حدثنا حاتم ، حدثنا جعفر ، عن أبيه قال : دخلنا على جابر بن عبد الله فحدثنا { أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجته في يوم النحر انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ، وأعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها } .

[ ص: 267 ] وفيه أيضا إجازته عليه السلام الشركة في الهدايا ، وفيه أيضا إباحته الأكل منها .

وفيه ما قد دل على أن الأجرة فيما يستأجره الرجل لغيره تجب على الوكيل الذي تولى الإجارة لا على الموكل الذي توليت له الإجارة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خاطب عليا أن لا يعطيه عن أجرته من لحوم البدن شيئا ولو كان ذلك ليس على علي لغني عن نهيه إياه ، عن ذلك لأنه غير مطلوب به ؛ ولأن الأجرة ليست عليه ، وإنما هي على موكله بما تولاه مما يستحق فيه الأجرة ، وفيه أيضا إجازته استعمال الفضة في البرة للهدايا وأن ذلك بخلاف استعمالها في الأكل فيها وفي الشرب فيها ، والله نسأل التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية