الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1148 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ومن حلف بالله لا أكلت هذا الرغيف ; أو قال : لا شربت ماء [ ص: 315 ] هذا الكوز ، فلا يحنث بأكل بعض الرغيف ، ولو لم يبق منه إلا فتاته ، ولا بشرب بعض ما في الكوز .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو حلف بالله لآكلن هذا الرغيف اليوم ، فأكله كله إلا فتاته وغابت الشمس فقد حنث - وهكذا في الرمانة ، وفي كل شيء في العالم لا يحنث ببعض ما حلف عليه ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وقال المالكيون : يحنث بأكل بعضه وشرب بعضه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : نسألهم عن رجل أكل بعض رغيف لزيد فشهد عليه شاهدان أنه أكل رغيف زيد ؟ أصادقان هما أم كاذبان ؟ فمن قولهم إنهما كاذبان مبطلان ، فأقروا على أنفسهم بالفتيا بالكذب ، وبالباطل ، وبالمشاهدة يدرى فساد هذا القول ، لأنه إنما حلف أن لا يأكله ، لم يحلف أن لا يأكل منه شيئا ، وهو إذا أبقى منه شيئا فلم يفعل ما حلف عليه ، والأموال محظورة إلا بنص ، ولا نص في صحة قولهم .

                                                                                                                                                                                          وقال قائلهم : الحنث ، والتحريم ، وكلاهما يدخل بأرق الأسباب ؟ فقلنا : هذا باطل ما يدخل الحنث والتحريم لا بأرق الأسباب ، ولا بأغلظها ، ولا يدخل التحليل أيضا لا بأرق الأسباب ، ولا بأغلظها - وكل هذا باطل وإفك ، ولا يدخل الحنث ، والبر ، والتحريم ، والتحليل ; إلا حيث أدخل الله تعالى منها في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          وأطرف شيء أنهم قالوا : تحريم زوجة الأب على الابن يدخل بأرق الأسباب - وهو العقد وحده ؟ فقلنا لهم : نسيتم أنفسكم ، أو لم يكن فرج هذه المرأة حراما على الأب ، كما هي على الابن ، ثم دخل التحليل للأب بأرق الأسباب - وهو العقد وحده - فأين قولكم : إن التحليل لا يدخل إلا بأغلظ الأسباب ؟ وكم هذا التخليط بما لا يعقل في دين الله تعالى ؟ وقالوا : والتحليل لا في المطلقة ثلاثا لا يدخل إلا بأغلظ الأسباب - وهو العقد ، والوطء ؟ فقلنا : نقضتم قولكم قولوا بقول الحسن ، وإلا فقد أفسدتم بنيانكم ، لأنه يقول : لا تحل المطلقة ثلاثا إلا بالعقد ، والوطء ، والإنزال فيها ، وإلا فلا ، وهذا أغلظ الأسباب والقوم في لا شيء - ونحمد الله على السلامة . [ ص: 316 ]

                                                                                                                                                                                          وابنة الزوجة لا تحرم على زوج أمها بأرق الأسباب الذي هو العقد ، لكن بالدخول بالأم مع العقد ، فهذا تحريم لم يدخل إلا بأغلظ الأسباب .

                                                                                                                                                                                          ثم تناقضهم ههنا طريف جدا ، لأن من قولهم : إن من حلف أن لا يأكل رغيفا فأكل نصف رغيف يحنث ، ومن حلف أن لا يهب لزيد عشرة دنانير فوهب له تسعة دنانير أنه لا يحنث ، فأي فرق بين هذا كله لو كان ههنا تقوى ؟

                                                                                                                                                                                          واحتج بعضهم في ذلك - : بأن من حلف أن لا يدخل دار زيد فدخل شيئا منها فإنه يحنث ; فقلنا لهم : إنما يكون الحنث بمخالفة ما حلف عليه ، ولا يكون في اللغة والمعقول دخول الدار إلا بدخول بعضها ، لا بأن يملأها بجثته ، بخلاف أكل الرغيف ، ولو أنه دخل بعضه الدار لا كله لم يحنث ، لأنه لم يدخلها - وهم مجمعون معنا على : أن من حلف أن لا يهدم هذا الحائط فهدم منه مدرة أنه لا يحنث

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية