الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في قسم الفيء من الجزية وجائزة الإمام قلت : أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة وما صالح أهلها عليها ، ما يصنع بهذا الخراج قال : قال مالك : هذه جزية والجزية عند مالك فيما يعلم من قوله فيء كله .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقد أعلمتك ما قال مالك في العنوة ، قلت لابن القاسم : فمن يعطى هذا الفيء وفيمن يوضع ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : في كل أهل بلدة افتتحوها عنوة أو صالحوا عليها هم أحق بها ، يقسم عليهم ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ولا يخرج عنهم إلى غيرهم إلا أن ينزل بقوم حاجة ، فينقل منهم إليهم بعد أن يعطي أهلها . يريد ما يغنيهم على وجه النظر أو الاجتهاد ، قال ابن القاسم : وبذلك كتب عمر بن الخطاب : لا يخرج فيء قوم إلى غيرهم ، قال : ورأيت مالكا يأخذ بالحديث الذي كتب به عمر بن الخطاب إلى عمار بن ياسر وصاحبيه إذ ولاهم العراق ، حين قسم لأحدهم نصف شاة وللآخرين ربعا ربعا فكان في كتاب عمر إليهم : إنما مثلي ومثلكم في هذا المال كما قال الله جل ثناؤه في ولي اليتيم { فمن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم قال مالك : يبدأ بالفقراء في هذا الفيء ، فإن فضل شيء كان بين جميع المسلمين كلهم بالسواء ، إلا أن يرى الوالي أن يحبسه لنوائب من نوائب أهل الإسلام ، فإن كان كذلك رأيت ذلك له ، قال ابن القاسم : والناس في ذلك سواء عربيهم ومولاهم ، وذلك أن مالكا حدثني أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : أيها الناس إني عملت عملا وإن صاحبي عمل عملا وإن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وبلغني أن عمر بن الخطاب قال : ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق ، أعطيه وأمنعه حتى لو كان راعيا أو راعية بعدن قال : ورأيت مالكا يعجبه هذا الحديث وكان مالك يقول : قد يعطي الوالي الرجل يجيزه لأمر يراه فيه على وجه الدين أي على وجه الدين من الوالي يجيزه لقضاء دينه بجائزة أو لأمر يراه قد استحق الجائزة ، فلا بأس على الوالي بجائزة مثل هذا ولا بأس أن يأخذها هذا الرجل ، قلت : أيعطي المنفوس من هذا المال ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم قد أخبرني مالك أن عمر بن الخطاب مر ليلة فسمع صبيا يبكي ، فقال لأهله : ما لكم لا ترضعونه ؟ فقال أهله : إن عمر بن الخطاب لا يفرض للمنفوس حتى يفطم وإنا فطمناه ، قال : فولى عمر وهو يقول كدت والذي نفسي بيده أن أقتله ، ففرض للمنفوس من ذلك [ ص: 516 ] اليوم مائة درهم ، قلت : فإن كان هذا المنفوس والده غني أليس يبدأ بكل منفوس والده فقير في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم في رأيي .

                                                                                                                                                                                      قلت : أفكان يعطي النساء من هذا المال فيما سمعت من مالك ؟ فقال : سمعت مالكا يقول : كان عمر بن الخطاب يقسم للنساء حتى أن كان ليعطيهن المسك ، ومجمل ما رأيت من قول مالك أنه يبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت ما قول مالك يسوي بين النساء في هذا الفيء ، أرأيت الصغيرة والكبيرة والمرأة والرجل أهم فيه سواء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إنما تفسيره أن يعطي كل إنسان بقدر ما يغنيه ، الصغير بقدر ما يغنيه ، والكبير بقدر ما يغنيه ، والمرأة بقدر ما يغنيها ، هذا تفسير قوله عندي يسوي بين الناس في هذا المال ، قلت : فإن فضل بعدما استغنى أهل الإسلام من هذا المال فضل ؟ فقال : ذلك على وجه اجتهاد الإمام ، إن رأى أن يحبس ما بقي لنوائب أهل الإسلام حبسه ، وإن رأى أن يفرقه على أغنيائهم فرقه وكذلك قال مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أهذا الفيء حلال للأغنياء ؟ فقال : نعم ، قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : ولقد حدثني مالك أنه أتي بمال عظيم من بعض النواحي في زمن عمر بن الخطاب ، قال فصب في المسجد فبات عليه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص يحرسونه ، فلما أصبح كشف عنه أنطاع أو مسوح كانت عليه فلما أصابته الشمس انفلقت وكانت فيه تيجان ، فبكى عمر بن الخطاب ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين ليس هذا حين بكاء إنما هذا حين شكر ، فقال : إني أقول ما فتح الله هذا على قوم قط إلا سفكوا عليه دماءهم وقطعوا أرحامهم ، ثم قال لابن الأرقم : اكتب لي الناس فكتبهم ثم جاء بالكتاب ، فقال له : هل كتبت الناس ؟ قال : نعم قد كتبت المهاجرين والأنصار والمهاجرين من العرب والمحررين يعني المعتقين ، قال : فقال له عمر : ارجع فاكتب فلعلك تركت رجلا لم تعرفه ، أراد أن لا تترك أحدا ففي هذا ما يدلك أن عمر كان يقسم لجميع الناس .

                                                                                                                                                                                      قال : وسمعت مالكا يذكر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر في زمن الرمادة ، قال : فقلنا لمالك : وزمن الرمادة أكانت سنة أو سنتين ؟ فقال : بل كانت ست سنين ، قال : فكتب إليه ، واغوثاه واغوثاه واغوثاه ، قال فكتب إليه عمرو بن العاص : لبيك لبيك لبيك ، قال : فكان يبعث إليه بالبعير عليه الدقيق في العباء قال فيقسمها عمر بن الخطاب فيدفع الحمل ببعيره كما هو إلى أهل البيت فيقول لهم : كلوا دقيقه والتحفوا العباءة وانحروا البعير وائتدموا شحمه وكلوا لحمه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية