الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قيل لهم معمول ل اذكروا، وإيراد الفعل هنا مبنيا للمفعول جريا على سنن الكبرياء مع الإيذان بأن الفاعل غني عن التصريح، أي اذكر لهم وقت قولنا لأسلافهم اسكنوا هذه القرية القريبة منكم وهي بيت المقدس أو أريحا، والنصب مبني على المفعولية ك سكنت الدار، أو على الظرفية اتساعا، والتعبير بالسكنى هنا للإيذان بأن المأمور به في البقرة الدخول بقصد الإقامة، أي: أقيموا في هذه القرية. وكلوا منها أي: مطاعمها وثمارها أو منها نفسها، على أن (من) تبعيضية أو ابتدائية. حيث شئتم أي: من نواحيها من غير أن يزاحمكم أحد، وجيء بالواو هنا وبالفاء في البقرة؛ لأنه قيل هناك: ادخلوا فحسن ذكر التعقيب معه، وهنا: اسكنوا والسكنى أمر ممتد، والأكل معه لا بعده، وقيل: إنه إذا تفرع المسبب عن السبب اجتمعا في الوجود فيصح الإتيان بالواو والفاء، وفيه أن هذا إنما يدل على صحة العبارتين وليس السؤال عن ذلك، وذكر رغدا هناك لأن الأكل في أول الدخول يكون ألذ وبعد السكنى، واعتباره لا يكون كذلك. [ ص: 89 ] وقيل: إنه اكتفى بالتعبير ب اسكنوا عن ذكره؛ لأن الأكل المستمر من غير مزاحم لا يكون إلا رغدا واسعا، وإلى الأول ذهب صاحب اللباب، ويرد على القولين أنه ذكر (رغدا) مع الأمر بالسكنى في قصة آدم عليه السلام، ولعل الأمر في ذلك سهل. وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا مر الكلام فيه في البقرة غير أن ما فيها عكس ما هنا في التقديم والتأخير ولا ضير في ذلك؛ لأن المأمور به هو الجمع بين الأمرين من غير اعتبار الترتيب بينهما، وقال القطب: فائدة الاختلاف التنبيه على حسن تقديم كل من المذكورين على الآخر؛ لأنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى وإظهار الخشوع والخضوع لم يتفاوت الحال في التقديم والتأخير. نغفر لكم خطيئاتكم جزم في جواب الأمر. وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: (تغفر) بالتاء والبناء للمفعول، و (خطيئاتكم) بالرفع والجمع غير ابن عامر فإنه وحد، وقرأ أبو عمرو: (خطاياكم) كما في سورة البقرة، وبين القطب فائدة الاختلاف بين ما هناك وبين ما هنا على القراءة المشهورة بأنها الإشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة فهي مغفورة بعد الإتيان بالمأمور به، وطرح الواو هنا من قوله سبحانه وتعالى: سنزيد المحسنين إشارة إلى أن هذه الزيادة تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به كما قيل.

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد أن امتثالهم جازاه الله تعالى بالغفران، وزاد عليه، وتلك الزيادة فضل محض منه تعالى؛ فقد يدخل في الجزاء صورة لترتبه على فعلهم، وقد يخرج عنه لأنه زيادة على ما استحقوه، ولذا قرن بالسين الدالة على أنه وعد وتفضل، ومفعول نزيد محذوف؛ أي: ثوابا وزيادة منهم في قوله تعالى شأنه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية