الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين الله تعالى الحكمة في أنه ثبطهم، فلم يخرجوا فقال سبحانه: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين .

                                                          أي: لو خرجوا في جمعكم المؤمن المجاهد، وساروا لا يجاهدون، ولكن يسيرون على ما كانوا عليه بينكم من التشكيك في خروجكم وفي قوتكم، وفي [ ص: 3322 ] ذلك إشاعة العناء والخور والضعف، ولذا قال الله تعالى: ما زادوكم إلا خبالا الخبال: الفساد والشر بالتشكيك وإثارة الفزع، والاستثناء هنا يمكن أن يخرج على استثناء منقطع; لأن المستثنى ليس من ضمن المستثنى منه؛ إذ الخبال لا زيادة فيه، كما يقال: ما غنم إلا الهزيمة، وما زاد إلا النقص.

                                                          ويرى الزمخشري وهو عالم اللغة وفقيهها أن الاستثناء هنا ليس منقطعا، إنما هو استثناء من أعم الأحوال، أو من أعم العام كما عبر الزمخشري ، والخبال نقص أعم العام كما يقال: "ما زادوكم شيئا إلا خبالا وإفسادا".

                                                          ولأوضعوا خلالكم الخلال: جمع (خلل) وهو ما بين الشيئين أو الأمرين، و(الإيضاع): الإسراع، يقال: وضع يعني أسرع، ووضع البعير إذا عدا، وقال الراجز العربي:


                                                          ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع



                                                          وأوضعته: حملته على العدو، والمعنى في النص الكريم: لأوضعوا ملحقين الجيش خلاله بأسباب الفتن من نميمة ومن توهين ومن تشكيك.

                                                          وشبه السعي بالفساد بإيضاع الإبل في عدوها؛ لأن كلا إجهاد، بيد أن سير الإبل قد يكون إلى الخير، أما الإيضاع هنا فهو فساد وتوهين وتخذيل، وسعي بنميمة.

                                                          يبغونكم الفتنة أي يطلبونكم بشدة وقوة، لا يبغون أشخاصكم; لأنهم لا يودونكم، ويتربصون بكم الدوائر، ولكن يبغون الفتنة بينكم، فالفتنة بدل اشتمال من الضمير، أي يبغون فتنتكم في عامة أموركم، وذلك بأن يمشوا بالنميمة في جموعكم، ويرهبونكم من أعدائكم، والقول بالريب فيما اعتزمتم من عمل.

                                                          ثم يقول تعالت كلماته: وفيكم سماعون لهم سماعون صيغة مبالغة من سامع، أي أنهم حريصون على السمع لهم، وقد كان اللفظ يحتمل أن فيكم سماعين حريصين على أن يستمعوا ويبلغوهم، فاللام في هذه الحال معناها لأجلهم، أو يكون المعنى أن يستمعوا لهم ويطيعوهم وينحازوا إليهم، ونرى أن هذا هو الأنسب للسياق، والذي يلائم إيضاعهم بالخبال، وذكر ابتغائهم الفتنة [ ص: 3323 ] وطلبهم، ويتفق مع رغبتهم في الخبال والفساد.

                                                          وقد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله تعالى: والله عليم بالظالمين أي أن الله تعالى عليم بهم وبنياتهم، وما يطوونه في جنوبهم من إرادة الشر بالمؤمنين، وأظهر في موضع الإضمار لتسجيل الظلم عليهم، وأن الظالمين لن يفلحوا أبدا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية