الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة

فمن الحوادث فيها توجيه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر وهو بقومس . وذلك أنه لما قتل نباتة ارتحل نصر بن سيار فنزل الخوار ، ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى قومس في محرم هذه السنة ، ثم وجه إلى ابنه جماعة من الرؤوس في سبعمائة ، فدخلوا حائطا ، فوجه إليهم نصر جندا فحصروهم ، فنقبوا الحائط وخرجوا ، وسار نصر حتى نزل الري ، فأقام يومين ثم مرض حتى إذا كان بساوة قريبا من همذان ، فمات بها .

وفيها: تحول أبو مسلم من مرو إلى نيسابور ، فنزلها ، ولما نزل قحطبة الري كتب إلى أبي مسلم بخبره ، فارتحل أبو مسلم من مرو ، فنزل نيسابور وخندق بها ، وبنى الجامع والمقصورة ، وغصب أكثر الأرض التي بناها ، إلا أن المسلمين سألوا من غصبت منه ، فأباحهم الصلاة فيها . وقيل: بل استوهبها أبو مسلم ولم يأخذها غصبا .

وفيها: قتل قحطبة عامر بن ضبارة [وسبب ذلك أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لما . . . ابن ضبارة] مضى نحو خراسان وتبعه عامر ، وكتب ابن هبيرة إلى عامر وإلى ابنه داود بن يزيد بن عمر أن يسير إلى قحطبة ، فسار في خمسين ألفا حتى [ ص: 287 ] نزلوا أصفهان بمدينة يقال لها: جي ، فاقتتلوا ، فانهزم أهل الشام وقتلوا قتلا ذريعا ، وقتل ابن ضبارة ، وانهزم داود ، وأصيب من عسكرهم ما لا يدرى عدده من السلاح والمتاع والرقيق ، ووجدوا عندهم ما لا يحصى من البرابط والطنابير والمزامير والخمر .

وفيها: كانت وقعة قحطبة بنهاوند بمن كان لجأ إليها من جنود مروان بن محمد .

وقيل: كانت هذه الوقعة بجابلق من أرض أصفهان يوم السبت لسبع بقين من رجب .

وذلك أن قحطبة أرسل إلى أهل خراسان الذين في مدينة نهاوند يدعوهم إلى الخروج إليه ، فأعطاهم الأمان فأبوا ، ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك فقبلوا وبعثوا إليه: اشغل أهل المدينة حتى نفتح الباب وهم لا يشعرون . فشغل أهل المدينة بالقتال ، ففتح أهل الشام الباب الذي كانوا عليه ، فخرج أهل خراسان فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى رجل من قواد أهل خراسان ثم أمر مناديه أن ينادي: من كان في يديه أسير ممن خرج إلينا من المدينة فليضرب عنقه وليأتنا برأسه ، ففعلوا فلم يبق أحد من الذين كانوا هربوا من أبي مسلم وصاروا في ذلك الحصن إلا قتل ، ما خلا أهل الشام فإنه أخلى سبيلهم ، وأخذ عليهم الأيمان ألا يمالئوا عليه عدوا .

وفي هذه السنة: سار قحطبة نحو ابن هبيرة ، وكان ابن هبيرة قد استمد مروان ، وأقبل حتى نزلوا جلولاء ، واحتفر الخندق الذي كانت العجم احتفرته أيام وقعة جلولاء ، وأقام . وأقبل قحطبة حتى نزل قرماسين ، ثم سار إلى حلوان ، ثم جاء إلى خانقين ، ولم يزل حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة .

وكان في هذه السنة: طاعون سلم بن قتيبة . قال الأصمعي: كان يمر في كل يوم بطريق المربد أحد عشر ألف نعش .

قال المدائني: كان هذا الطاعون في رجب واشتد في رمضان . وكان يحصى في سكة المربد كل يوم عشرة آلاف جنازة أياما ، وخف في شوال .

وقال الأصمعي: مات في أول يوم سبعون ألفا ، وفي الثاني نيف وسبعون ألفا ، [ ص: 288 ] وأصبح الناس في اليوم الثالث موتى . وكان على البصرة سلم بن قتيبة ، فلما قام على المنبر جعل ينظر يمنة ويسرة فلا يرى أحدا يعرفه ، وكان يغلق على الموتى الباب مخافة أن تأكلهم الكلاب ، وينادي المنادي: أدركوا آل فلان فقد أكلتهم الكلاب .

وفي هذه السنة: حج بالناس الوليد بن عروة بن محمد بن عطية السعدي ، وهو كان عامل مكة والمدينة والطائف من قبل عمه عبد الملك بن محمد ، وكان عامل العراق يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكان على قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي ، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور الناجي .

التالي السابق


الخدمات العلمية