الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر مكرهم بالرسول، ذكر مكرهم بما أرسل به، فقال عاطفا على إذ أنتم وإذا تتلى أي: من أي: تال فرض عليهم آياتنا أي: التي هي الفرقان جلالة وعظما لم يدعوها تؤثر في تلك الحالة، بل قالوا إظهارا لعنادهم لها وتشيعا بما لم يعطوا وادعاء لما لمن ينالوا قد سمعنا ولما لم يتأثر عن سماعهم الإذعان، تشوف السامع إلى علة إعراضهم فقال معللا أو مستأنفا: لو نشاء أي: في أي وقت أردنا لقلنا مثل هذا أي: لأنه ليس قول الله كما يزعم محمد إن أي: ما هذا الذي يتلى عليكم إلا أساطير جمع سطور وأسطار جمع سطر الأولين أي: من بني آدم، سطروا فيها علومهم وأخبارهم فهو من جنس كلامنا وقائله من جنسنا، وهذا غاية المكابرة؛ لأنه قد تحداهم بقطعة من مثله إن كان له - كما يزعمون - مثل، وبالغ في تقريعهم فما منعهم - من إبراز شيء مما يدعون وليس بينهم وبينه بزعمهم إلا أن يشاؤوا، [ ص: 269 ] مع انتقالهم إلى أشد الأمور: السيف الماحق على تهالكهم على قهره صلى الله عليه وسلم وعلى ما لهم من فرط الأنفة من العار والبعد مما يقضي عليهم بالغلب أو أن يوصفوا بالكذب - إلا علمهم بأن ذلك فاضحهم، ومخزيهم مدى الدهر وقائحهم، والمعنى: أني أثبت هذا النبي الكريم على صبره على ذلك ومثابرته على أداء الأمانة بالاجتهاد في النصيحة على ما يلقى إن نجيته منهم ومنعته من جميع ما كادوه به، وكنت لا أزال أؤيده باتباع من أعلم فيه الخير إلى أن هيأت له دارا وخبأت له أنصارا، وجعلت داره بالأصحاب منيعة، وبنيت لها أعمدة بصوارم الأحباب ثابتة رفيعة، نقلته إلى ذلك مع اجتهاد أهل العناد وهم جميع أهل الأرض في المنع، فلم يؤثر كيدهم، ولا أفادهم مع أيدي أيدهم، وجعلت نفس نقلته له فرقانا يفرق بها بين الحق والباطل، وصار إلى ما ترون من قبول الأمر وجلالة القدر ونفاذ الفصل بين الأمور وظهر دينه أي ظهور، فلازموا التقوى ملازمته وداوموا على الطاعة مداومته أهب لكم من سيادته وأحملكم بملابس إمامته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية