الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 397 ] الفصل الثاني فيما ينعقد عنه الإجماع : و لا بد له من مستند ; لأن أهل الإجماع ليست لهم رتبة الاستقلال بإثبات الأحكام ، وإنما يثبتونها نظرا إلى أدلتها ومأخذها ، فوجب أن يكون عن مستند ; لأنه لو انعقد من غير مستند لاقتضى إثبات الشرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو باطل . وحكى إمام الحرمين في باب القراض من النهاية " عن الشافعي أنه قال : الإجماع إن كان حجة قاطعة سمعية ، فلا يحكم أهل الإجماع بإجماعهم ، وإنما يصدر الإجماع عن أصل ا هـ .

                                                      وحكى عبد الجبار عن قوم أنه يجوز أن يحصل بالبخت والمصادفة ، بأن يوفقهم الله لاختيار الصواب من غير مستند ، وهو بالخاء المعجمة من البخت ، وهو التوفيق ، وغلط صاحب التحصيل فظنه بمعنى الشبهة ، وهو فاسد ، فإن معناه : يجوز أن يحصل عن توفيق من الله جل ذكره ، بغير دليل شرعي دلهم على ذلك بأن يوفق الله للصواب بالإلهام لقوله : { ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن } وهو ضعيف ، لا يجوز القول في دين الله تعالى بغير دليل ، وقد يترجم المسألة بأنه لا يجوز حصول الإجماع إلا عن توقيف ومستند ، وذكر الآمدي أن الخلاف في الجواز لا في الوقوع ، وليس كما [ ص: 398 ] قال ، فإن الخصوم ذكروا صورا ، وادعوا وقوع الإجماع فيها من غير مستند . ثم ذلك المستند إما من جهة الكتاب كإجماعهم على أن ابن الابن كالابن في الميراث ، وإما من جهة السنة كإجماعهم على توريث كل واحد من الجدين السدس ، وعلى توريث المرأة من دية زوجها بالخبر في امرأة أشيم الضبابي ، أو الاستفاضة ، كالإجماع على أعداد الركعات ، ونصب الزكوات ، أو عن المناظرة والجدال ، كإجماعهم على قتل مانعي الزكاة ، أو عن توقيف كإجماعهم على أن الجمعة تسقط بفرض الظهر ، أو عن استدلال وقياس ، كإجماعهم على أن الجواميس في الزكاة كالبقر . قال القفال الشاشي : وكإجماعهم على خلافة الصديق ( رضي الله عنه ) بتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه في مرضه للصلاة بالناس . قال الصيرفي : ويستحيل أن يقع منهم الإجماع بالتواطؤ ، ولهذا كانت الصحابة لا يرضى بعضهم من بعض بذلك ، بل يتباحثون ، حتى أخرج بعضهم القول في الخلاف إلى المباهلة ، ولا يمكن اختلافهم فيما وقفوا عليه ; لأنه مذموم شرعا .

                                                      فثبت أن الإجماع لا يقع منهم إلا عن توقيف ، أو دليل عقله جميعهم ، لا لأن غيره قال به ، فقال معه . وجعل الماوردي ، والروياني أصل الخلاف أن الإلهام هل هو دليل أم لا ؟ وحيث قلنا : لا بد من مستند ، فلا يجب البحث عن مستندهم ، إذ قد ثبتت لهم العصمة ، ولا يحكمون إلا عن مستند صحيح ، لكنه لا يمتنع الاطلاع عليه ، [ ص: 399 ] وأكثر الإجماعات قد عرف مستندها ، وحكى الإمام في باب القياس عن الشافعي ما يقتضي البحث عن المستند حيث قال : لم يعهد القراض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول ما جرى في زمن عمر ، فقال الشافعي : لا ينعقد الإجماع بغير مستند ، ولو كان في القراض خير لاعتني بنقله .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية