الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا يفعلون عند البيت ما ينزه البيت عنه مما هو غاية في الجهل، قال مبينا لجهلهم واستحقاقهم للنكال وبعدهم عن استحقاق ولايته: وما كان صلاتهم أي: التي ينبغي أن تكون مبنية على الخشوع، وزاد في التبشيع عليهم بقوله: عند البيت أي: فعلهم الذي يعدونه صلاة أو يبدلونها به إلا مكاء أي: صفيرا يشبه صفير الطير والدبر بريح الحدث - من مكا يمكو مكوا ومكاء - إذا صفر بفيه أو شبك أصابعه ونفخ فيها، ومكت الشجرة بريحها: صوتت، والدبر بريح الحدث: صوت - قال أبو حيان : وجاء على فعال أي: بالضم ويكثر فعال في الأصوات كالصراخ. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وتصدية أي: وتصفيقا، كان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويصفرون بأفواههم ويصفقون بأيديهم مقصورة، فيكون تصويتهم ذلك يشبه الذي [ ص: 275 ] رجع الصوت في المكان الخالي، فهو كناية عن أن صلاتهم لا معنى لها، وأصله صدد - مضاعف - إذا أعرض ومال مثل التظني من ظنن -، فهذا لهو لا عبادة وهزء لا جد مع أن الأمر جد وأي جد كما قال تعالى: أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون أي: ولا تبكون في حال جدكم بدأبكم في العمل الصالح، فهذا الذي يعملونه مناف لحال البيت فهو تخريب لا تعمير، قال مقاتل : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه يصفران ويصفقان، ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا عليه صلاته، وتقدير الكلام على قراءة الأعمش : صلاتهم - بالنصب: وما كان شيء إلا مكاء وتصدية صلاتهم، فنفى عما يجعلونه صلاة كل شيء إلا المكاء والتصدية، فالصلاة مقصورة عليهما بهذا الاعتبار، فقد صارت بهذا الطريق بمعنى القراءة المشهورة سواء فتأمله؛ فإنه نفيس جدا، وخرج عليه الخلاف في آية الأنعام ثم لم تكن فتنتهم وغيره، وقد مضى هناك ما ينفع هنا، ومما يجب أن يعلم أن هؤلاء لم يذمهم الله لأنه أعلى الذم، بل ذمهم لكونهم اتخذوا العبادة لعبا لينبه بذلك على ذم من أشبههم في ذلك فعمد إلى ما هو مباح في أصله فاتخذه دينا فكيف إذا كان مكروها أم كيف إذا كان حراما، فقبح الله قوما ادعوا أنهم أعرضوا عن الدنيا ثم اتخذوا الطبول والغنى والتصدية شعارهم ثم ضربوا به حتى فعلوه في [ ص: 276 ] المساجد وزادوا على فعل الجاهلية الرقص الذي ابتدعه قوم السامري لما عبدوا العجل، فأخذوا أنواعا من أفعال أنواع من الكفرة وجعلوها عادتهم وشعارهم وديانتهم، فلقد انتهكوا حرمات الشريعة وبدلوها واستهانوا بها واسترذلوها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مساق الكلام لبيان استحقاقهم العذاب، وأنه لا مانع لهم منه وكان قد أوقع بهم في هذه الغزوة مباديه، وكانت المواجهة بالتعنيف وقت إيقاع ما لا يطاق بالعدو إنكاء، قال مسببا عن قبيح ما كانوا يرتكبونه: فذوقوا العذاب أي: الذي توعدكم الله والذي رأيتموه ببدر وطلبتموه في استفتائكم حكم الاستهانة به بما كنتم تكفرون أي: إنكم قد صرتم بهذا الفعل أهلا لذوقه بما تسترون مما دلتكم عليه عقولكم من هذا الحق الواضح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية