الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 268 ] 118 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله : { أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية } ومن أهل اليمن الذين عناهم بذلك ؟

797 - حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال : { أتاكم أهل اليمن ألين قلوبا وأرق أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية } .

[ ص: 269 ]

798 - حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام أنه قال : { جاء أهل اليمن هم أرق الناس أفئدة ، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية } .

[ ص: 270 ]

799 - حدثنا فهد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثني جرير بن حازم ، عن أيوب السختياني وعبد الله بن عون ، عن ابن سيرين قال : حدثنا أبو هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم ذكر مثله .

800 - حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال : { الإيمان يمان ، والكفر قبل المشرق ، والسكينة في أهل الغنم ، والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر } .

[ ص: 271 ]

801 - حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا عبيدة بن حميد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، أتاكم أهل اليمن هم ألين أفئدة وأرق قلوبا .

802 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن أبي هريرة قال : قال النبي عليه السلام : جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة ، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية .

حدثنا أبو أمية ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا سليم بن أخضر ، [ ص: 272 ] عن ابن عون أن محمدا كان يرفع هذا الحديث من حديث أبي هريرة ويقوله عن النبي عليه السلام .

ففيما روينا عن رسول الله عليه السلام ذكره أهل اليمن بما ذكرهم به في هذا الحديث ، فذهب قوم إلى أنه إنما عنى به أهل تهامة ، منهم سفيان بن عيينة ، كما حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، حدثنا الحميدي قال : قال سفيان : إنما يعني بقوله : أتاكم أهل اليمن ، أهل تهامة ، لأن مكة يمن وهي تهامية .

فنظرنا فيما قالوا من ذلك هل هو كما قالوه أم لا . ؟

803 - فوجدنا علي بن معبد قد حدثنا قال : حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال : الإيمان هاهنا ، ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين أصحاب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر .

[ ص: 273 ] فأضاف القسوة وغلظ القلوب إلى الفدادين من ربيعة ومضر فكان في ذلك ما قد دل على أن المضاف إليهم من الإيمان والحكمة والفقه هم أضدادهم الذين ليسوا من ربيعة ولا مضر .

وفي ذلك ما ينبغي أن يكون أراد بما في الآثار التي في الفصل الأول أهل تهامة ؛ لأن أولئك أو أكثرهم من مضر .

ثم وجدنا عنه عليه السلام في هذا المعنى ما هو أكشف من هذا الحديث .

804 - وهو ما حدثنا أبو قرة محمد بن حميد الرعيني ، حدثنا عبد الله بن يوسف الكلاعي الدمشقي ، حدثنا يحيى بن حمزة ، عن أبي حمزة العنسي من أهل حمص ، قال أبو جعفر : وهو عيسى بن سليم [ ص: 274 ] الرستني قد حدث عنه عمرو بن الحارث وعيسى بن يونس وغيرهما أنه حدثه ، عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي وراشد بن سعد المقرئي ، وشبيب الكلاعي ، عن جبير بن نفير ، عن عمرو بن عبسة قال : عرضت الخيل على رسول الله عليه السلام وعنده عيينة بن بدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيينة : أنا أفرس بالخيل منك ، فقال عيينة : إن تكن أفرس بالخيل مني فأنا أفرس بالرجال منك ، قال : وكيف ؟ قال : إن خير رجال لبسوا البرد ووضعوا سيوفهم على عواتقهم وعرضوا الرماح على مناسج خيولهم رجال نجد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت ، بل هم أهل اليمن ، والإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حمير خير من أكلها ، وحضرموت خير من بني الحارث ، وسمى الأقيال الأنكال .

[ ص: 275 ] ففيما روينا في هذا الحديث عن رسول الله عليه السلام تبيانه أهل اليمن الذين أرادهم بما في الآثار الأول ، وأنهم أهل هذه القبائل اليمانية ، لا من سواهم .

[ ص: 276 ]

805 - ووجدنا يونس قد حدثنا قال : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، فذكر حديثا طويلا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليأتين أقوام تحقرون أعمالكم مع أعمالهم ، قلنا : من هم يا رسول الله أقريش ؟ قال : لا ، أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا ، فقلنا : هم خير منا يا رسول الله ؟ فقال : لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ، إن فضل ما بيننا وبين الناس هذه الآية لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح الآية .

[ ص: 277 ] فكان في هذا ما قد دل على حقيقة أهل اليمن الذين أرادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفصل الأول من هم ، وأنهم خلاف أهل تهامة على ما ذكره ابن عيينة .

806 - ثم وجدنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقدم قوم هم أرق منكم أفئدة ، فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى ، فجعلوا يرتجزون ويقولون :


غدا نلقى الأحبه محمدا وحزبه

ففي ذلك ما قد دل أيضا على أن أهل اليمن المرادين كما في الآثار الأول هم الأشعريون وأمثالهم من القادمين من حقيقة اليمن دون من سواهم .

807 - ووجدنا ابن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس قال : لما قدم أهل اليمن قال النبي عليه السلام : قد [ ص: 278 ] أقبل أهل اليمن هم ألين قلوبا منكم ، وهم أول من جاء بالمصافحة .

وما في هذا الباب من الآثار فكثير اكتفينا منها بما جئنا به منها في هذا الباب مما قد وضح به ما قد ذكرناه من حقيقة أهل اليمن المرادين بما فيها ، وأنهم ليسوا أهل تهامة كما قال ابن عيينة ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية