الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله : فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه . أي : سلم لنصوص الكتاب والسنة ، ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة ، أو بقوله : العقل يشهد بضد ما دل عليه النقل ! والعقل أصل النقل ! ! فإذا عارضه قدمنا العقل ! ! وهذا لا يكون قط . لكن إذا جاء ما يوهم مثل ذلك ، فإن كان النقل صحيحا فذلك الذي يدعى أنه معقول إنما هو مجهول ، ولو حقق النظر لظهر ذلك . وإن كان النقل غير صحيح فلا يصلح للمعارضة ، فلا يتصور أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح أبدا . ويعارض كلام من يقول ذلك بنظيره ، فيقال : إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل ، لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين ، ورفعهما [ ص: 228 ] رفع النقيضين ، وتقديم العقل ممتنع ، لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل ، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضا للنقل ، لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء ، فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه ، فلا يجوز تقديمه . وهذا بين واضح ، فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته ، وأن خبره مطابق لمخبره ، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا ، وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال ، فضلا عن أن يقدم ، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية