الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون [ ص: 19 ] قوله تعالى : " هو الذي يسيركم " أي : الله الذي هو أسرع مكرا ، هو الذي يسيركم " في البر " على الدواب ، وفي البحر على السفن ، فلو شاء انتقم منكم في البر أو في البحر . وقرأ ابن عامر ، وأبو جعفر : " ينشركم " بالنون والشين من النشر ، وهو في المعنى مثل قوله : وبث منهما رجالا كثيرا [النساء :2] . والفلك : السفن . قال الفراء : الفلك تذكر وتؤنث ، وتكون واحدة وتكون جمعا ، قال تعالى هاهنا : " جاءتها " فأنث ، وقال في (يس :41) (في الفلك المشحون ) فذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وجرين بهم " عاد بعد المخاطبة لهم إلى الإخبار عنهم . قال الزجاج : كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يرده إلى الغائب ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم



                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " بريح طيبة " أي : لينة . " وفرحوا بها " للينها . " جاءتها " يعني الفلك . قال الفراء : وإن شئت جعلتها للريح ، كأنك قلت : جاءت الريح الطيبة ريح عاصف ، والعرب تقول : عاصف وعاصفة ، وقد عصفت الريح وأعصفت ، والألف لغة لبني أسد . قال ابن عباس : الريح العاصف : الشديدة . قال الزجاج : يقال عصفت الريح ، فهي عاصف وعاصفة ، وأعصفت ، فهي معصف ومعصفة . " وجاءهم الموج من كل مكان " أي : من كل أمكنة الموج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وظنوا " فيه قولان : أحدهما : أنه بمعنى اليقين . والثاني : أنه التوهم . وفي قوله " أحيط بهم " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : دنوا من الهلكة . قال ابن قتيبة : وأصل هذا أن العدو إذا أحاط [ ص: 20 ] ببلد ، فقد دنا أهله من الهلكة . وقال الزجاج : يقال لكل من وقع في بلاء : قد أحيط بفلان ، أي : أحاط به البلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أحاطت بهم الملائكة ، ذكره الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " دعوا الله مخلصين له الدين " دون أوثانهم . قال ابن عباس : تركوا الشرك ، وأخلصوا لله الربوبية ، وقالوا : " لئن أنجيتنا من هذه " الريح العاصف " لنكونن من الشاكرين " أي : الموحدين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " يبغون في الأرض " البغي : الترامي في الفساد . قال الأصمعي : يقال : بغى الجرح : إذا ترامى إلى فساد . قال ابن عباس : يبغون في الأرض بالدعاء إلى عبادة غير الله والعمل بالمعاصي والفساد .

                                                                                                                                                                                                                                      " يا أيها الناس " يعني أهل مكة . " إنما بغيكم على أنفسكم " أي : جناية مظالمكم بينكم على أنفسكم . وقال الزجاج : عملكم بالظلم عليكم يرجع .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " متاع الحياة الدنيا " قرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، وحفص ، وأبان عن عاصم : " متاع الحياة الدنيا " بنصب المتاع . قال الزجاج : من رفع المتاع ، فالمعنى أن ما تنالونه بهذا البغي إنما تنتفعون به في الدنيا ، ومن نصب المتاع ، فعلى المصدر . فالمعنى : تمتعون متاع الحياة الدنيا . وقرأ أبو المتوكل ، واليزيدي في اختياره ، وهارون العتكي عن عاصم : " متاع الحياة " بكسر العين ، قال ابن عباس : " متاع الحياة الدنيا " ، أي : منفعة في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية