الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 398 ] باب الهدنة .

                                                                                                                          ولا يصح عقد الهدنة والذمة إلا من الإمام أو نائبه ، فمتى رأى المصلحة في عقد الهدنة ، جاز له عقدها مدة معلومة وإن طالت . وعنه : لا يجوز في أكثر من عشر سنين ، فإن زاد على العشر ، بطل في الزيادة ، وفي العشر روايتان . وإن هادنهم مطلقا ، لم يصح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب الهدنة .

                                                                                                                          وأصلها السكون ، وشرعا : هي عقد إمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة لازمة ، ويسمى مهادنة ، وموادعة ، ومعاهدة ، ومسالمة ، والأصل فيها قوله تعالى : براءة من الله ورسوله [ التوبة : 1 ] وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [ الأنفال : 61 ] والسنة ما روى مروان بن الحكم ، والمسور بن مخرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح قريشا على وضع القتال عشر سنين ، والمعنى ؛ لأنه قد يكون بالمسلمين ضعف ، فيهادنهم حتى يقووا .

                                                                                                                          ( ولا يصح عقد الهدنة والذمة إلا من الإمام ) لفعله - عليه السلام . ( أو نائبه ) لأنه نائب عنه ، ومنزل منزلته ، وهو يتعلق بنظر واجتهاد ، وليس غيرهما محلا لذلك ، لعدم ولايتهم ، ولو جوز ذلك للآحاد ، لزم تعطيل الجهاد ، وفي " الترغيب " لآحاد الولاة عقده مع أهل قرية ، فعلى الأول : لو هادنهم غير الإمام أو نائبه لم يصح ، فلو دخل بعضهم بهذا الصلح دار الإسلام ، كان أمنا لاعتقاده ، ولا يقر في دار الإسلام ، بل يرد إلى دار الحرب ، ولو مات الإمام أو نائبه بعد العقد أو عزل ، لم ينتقض عهده ، وعلى الثاني : يلزمه إمضاؤه لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد ، ويستمر ما لم ينقضه الكفار بقتال أو غيره ( فمتى رأى المصلحة في عقد الهدنة ) إما لضعف المسلمين عن القتال ، وإما بإعطاء مال منا ضرورة ؛ لأنه مصلحة للمسلمين ليتقووا به على عدوهم ( جاز له عقدها ) لأنه - عليه السلام - هادن قريشا ( مدة معلومة ، وإن طالت ) لأن ما وجب تقديره وجب أن يكون معلوما ، كخيار الشرط ، وفيه وجه كالخيار ، إذ لا محذور فيه .

                                                                                                                          [ ص: 399 ] وظاهره أنه يجوز في الطويلة كالقصيرة على المذهب ؛ لأنها تجوز في أقل من عشر فجاوزت في أكثر منها كمدة الإجارة ، ولأنه إنما جاز عقدها للمصلحة ، فحيث وجدت جازت تحصيلا للمصلحة . ( وعنه : لا يجوز في أكثر من عشر سنين ) قال القاضي : هو ظاهر كلام أحمد ، واختاره أبو بكر لقوله تعالى : فاقتلوا المشركين الآية ، [ التوبة : 5 ] خص منه العشر ، لفعله - عليه السلام - فيبقى ما عداه على مقتضى العموم ( فإن زاد على العشر ، بطل في الزيادة ) لأنه ممنوع منها . ( وفي العشر روايتان ) مبنيتان على تفريق الصفقة ، والأصح عدم البطلان . وظاهره أنه إذا عقدها مجانا مع قوة المسلمين واستظهارهم ، لا يجوز لعدم المصلحة إلا أن يكون لمصلحة رجاء إسلامهم ، فيجوز في رواية ؛ لأنه - عليه السلام - صالح أهل الحديبية على غير مال بل لمصلحة ترك قتالهم في الحرم تعظيما لشعائر الله . والثانية : المنع ؛ لأنه ترك للقتال من غير حاجة ، ولا بدل ، وفي " الإرشاد " و " المبهج " و " المحرر " على المنع : يجوز أربعة أشهر لقوله تعالى : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر [ التوبة : 2 ] وفيما فوقها ، ودون الحول وجهان فأما الحول ، فلا يجوز قال بعضهم : وجها واحدا .

                                                                                                                          تنبيه : لا يجوز عقدها بمال منا إلا لضرورة شديدة مثل أن يحاط بطائفة من المسلمين . وفي " الفنون " لضعفنا مع المصلحة . وقال أبو يعلى الصغير : لحاجة ، وكذا قاله أبو يعلى في " الخلاف " في المؤلفة ، واحتج لعزمه - عليه السلام - على بذل شطر نخل المدينة .

                                                                                                                          ( وإن هادنهم مطلقا لم يصح ) لأن إطلاق ذلك يقتضي التأبيد ؛ وذلك [ ص: 400 ] يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية ، وهو غير جائز .



                                                                                                                          الخدمات العلمية