الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ولما فرغ المصنف من فرائض الوضوء شرع في بيان سننه إشارة إلى أن الوضوء لا واجب فيه لما أن ثبوت الحكم بقدر دليله والدليل المثبت له هو ما كان ظني الثبوت قطعي الدلالة وما كان بمنزلته كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي الدلالة ، ولم يوجد في الوضوء ولا ينافيه ما في الخلاصة من أن الوضوء ثلاثة [ ص: 17 ] أنواع فرض ، وهو الوضوء لصلاة الفريضة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وواجب ، وهو الوضوء للطواف بالبيت ومندوب ، وهو الوضوء للنوم وعن الغيبة والكذب ، وإنشاد الشعر ومن القهقهة والوضوء على الوضوء والوضوء لغسل الميت ا هـ .

                                                                                        لأن هذا حكم على نفس الوضوء بأنه واجب لا أن فيه واجبا ، وظاهر تقييده بصلاة الفريضة أن الوضوء للنافلة ليس بفرض ، وإن كان شرطا والظاهر أنه فرض عند إرادتها الجازمة كما سبق تقريره في بيان السبب ومراده من الوضوء للنوم الوضوء عند إرادة النوم ، فإنه مستحب ، وأما الوضوء من النوم الناقض ففرض

                                                                                        ( قوله : وسنته ) أي الوضوء هي لغة الطريقة المعتادة ، ولو سيئة واصطلاحا الطريقة المسلوكة في الدين كذا في العناية ، وفيه نظر لشموله الفرض والواجب فزاد في الكشف من غير افتراض ولا وجوب وفيه نظر لشموله المستحب والمندوب فالأولى أن يقال هي الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم على سبيل المواظبة ليخرج غير المحدود ، وما في غاية البيان من أنها ما في فعله ثواب وفي تركه عتاب لا عقاب فهو تعريف بالحكم وما في شرح النقاية من أنها ما ثبت بقوله أو فعله وليس بواجب ولا مستحب ففيه نظر لشموله المباح

                                                                                        وما في فتح القدير وغيره من أنها ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه ومع الترك أحيانا فمنتقض بالفرض ، فإن القيام في الصلاة مثلا حصلت المواظبة عليه مع الترك أحيانا لعذر المرض ; فلذا زاد في التحرير أن يكون الترك أحيانا بلا عذر ليلزم كونه بلا وجوب وظاهر أن المواظبة بلا ترك أصلا لا تفيد السنية بل الوجوب وظاهر الهداية يخالفه ، فإنه في الاستدلال على سنية المضمضة والاستنشاق قال ; لأنه عليه السلام فعلهما على المواظبة ، وكذا استدلالهم على سنية الاعتكاف في العشرة الأخير من رمضان { بأنه عليه السلام واظب على الاعتكاف في العشرة الأخير من رمضان حتى توفاه الله تعالى } كما في الصحيحين يفيد أنها تفيد السنية مطلقا ; ولذا في فتح القدير فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية ، وإلا كانت تكون دليل الوجوب انتهى والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه لكن إن كانت [ ص: 18 ] لا مع الترك فهي دليل السنة المؤكدة ، وإن كانت مع الترك أحيانا فهي دليل غير المؤكدة ، وإن اقترنت بالإنكار على من لم يفعله فهي دليل الوجوب فافهم هذا فإن به يحصل التوفيق وفي بعض النسخ وسننه بالجمع ونكتة جمعها وإفراد الفرض الإشارة إلى أن الفروض

                                                                                        وإن كثرت في حكم شيء واحد بدليل فساد البعض بترك البعض بخلاف السنن إذ لا يبطل بعضها بترك بعضها والإضافة هنا بمعنى اللام كما لا يخفى وجعلها المصنف في المستصفى من إضافة الشيء إلى محله ; لأن الطهارة محل لهذه السنن وفي النهاية أنها بمعنى من وفيه ما تقدم في كتاب الطهارة . ( قوله : غسل يديه إلى رسغيه ابتداء ) يعني : غسل اليدين ثلاثا إلى رسغيه في ابتداء الوضوء سنة والرسغ منتهى الكف عند المفصل وفي ضياء الحلوم الرسغ بالغين المعجمة موصل الكف في الذراع والقدم في الساق .

                                                                                        اعلم أن في غسل اليدين ابتداء ثلاثة أقوال قيل إنه فرض وتقديمه سنة واختاره في فتح القدير والمعراج والخبازية وإليه يشير قول محمد في الأصل بعد غسل الوجه ثم يغسل ذراعيه ولم يقل يديه فلا يجب غسلهما ثانيا وقيل إنه سنة تنوب عن الفرض كالفاتحة ، فإنها واجبة تنوب عن الفرض واختاره في الكافي وقال السرخسي : إنه سنة لا ينوب عن الفرض فيعيد غسلهما ظاهرهما وباطنهما قال : وهو الأصح عندي واستشكله في الذخيرة بأن المقصود هو التطهير فبأي طريق حصل حصل المقصود

                                                                                        وظاهر كلام المشايخ أن المذهب الأول واختلف في أن غسلهما قبل الاستنجاء أو بعده فقيل سنة قبله فقط وقيل بعده فقط وقيل قبله وبعده وإليه ذهب الأكثر كما صرح به في المجتبى وصححه قاضي خان في الفتاوى وفي النهاية ويستدل له بأن جميع من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم غسل اليدين ، وأما سنيته قبله فيما رواه الجماعة من { حديث ميمونة في صفة غسله وفيه أنها حكت غسل اليدين قبل الاستنجاء } وحكمته قبله المبالغة في إزالة رائحة ما يصيبهما وأورد أن المصاب اليد اليسرى فينبغي الاقتصار عليها وتخصيصه بما إذا تغوط .

                                                                                        وأجيب بما في الأصول من أن الحكمة تراعى في الجنس ولا يلزم وجودها في كل فرد .

                                                                                        ثم اعلم أن الابتداء بغسل اليدين واجب إذا كانت النجاسة محققة فيهما وسنة عند ابتداء الوضوء كما ذكرنا وسنة مؤكدة عند توهم النجاسة كما إذا استيقظ من النوم فعلم بهذا أن قيد الاستيقاظ الواقع في الهداية وغيرها اتفاقي ; لأن من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم كحمران مولى عثمان بن عفان وغيره قدم فيه البداءة بغسل اليدين من غير تقييد بكونه عن نوم وعلل له في الهداية بأن اليدين آلة التطهير فيبدأ بتنظيفهما وأورد عليه بأن هذا يقتضي الوجوب ; لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب .

                                                                                        وأجيب بأن هنا مانعا من القول بالوجوب ، وهو طهارتهما حقيقة وحكما ، فكأن الغسل إلى الرسغين ; لأنه يكفي في حصول المقصود ، وهو تنظيف الآلة

                                                                                        وعلم بما قررناه أيضا أن ما في شرح المجمع من أن السنة في غسل اليدين للمستيقظ مقيدة بأن يكون نام غير مستنج أو كان على بدنه نجاسة حتى لو لم يكن كذلك لا يسن في حقه ضعيف أو المراد نفي السنة المؤكدة لا أصلها وكيفية غسلهما كما ذكر في الشروح أنه إن كان الإناء صغيرا بحيث يمكن رفعه لا يدخل يده فيه بل يرفعه بشماله ويصبه على كفه اليمنى ويغسلها ثلاثا ثم يأخذ الإناء بيمينه ويصبه على كفه اليسرى ويغسلها ثلاثا ، وإن كان الإناء كبيرا لا يمكن رفعه ، فإن كان معه إناء صغير يفعل كما ذكرنا ، وإن لم يكن يدخل أصابع يده اليسرى مضمومة في الإناء يصب على كفه اليمنى ثم يدخل اليمنى في الإناء ويغسل اليسرى وعلله في المحيط بأن الجمع بين اليدين في كل مرة غير مسنون وتعقبه العلامة الحلبي بأن الجمع سنة كما تفيده الأحاديث والظاهر أن تقديم اليمنى على اليسري لأجل التيامن [ ص: 19 ] لا لما في المحيط كما لا يخفى قالوا ولا يدخل الكف حتى لو أدخله صار الماء مستعملا كما صرح به في المبتغى ومعناه صار الماء الملاقي للكف مستعملا إذا انفصل لا جميع ماء الإناء كما سنحققه في بحث المستعمل ، وقالوا يكره إدخال اليد في الإناء قبل الغسل للحديث ، وهي كراهة تتزيه ; لأن النهي فيه مصروف عن التحريم بقوله { ، فإنه لا يدري أين باتت يده }

                                                                                        فالنهي محمول على الإناء الصغير أو الكبير إذا كان معه إناء صغير فلا يدخل اليد فيه أصلا ، وفي الكبير على إدخال الكف كذا في المستصفى وغيره مع أن المنقول في الخانية أن المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الإناء للاغتراف ، وليس عليها نجاسة لا يفسد الماء وكذا إذا وقع الكوز في الجب فأدخل يده إلى المرفق لا يصير الماء مستعملا وفي شرح الأقطع يكره الوضوء بالماء الذي أدخل المستيقظ يده فيه لاحتمال النجاسة كما يكره الوضوء بالماء الذي أدخل الصبي يده فيه وفي المضمرات إذا لم يكن معه ما يغترف به ويداه نجستان ، فإنه يأمر غيره أن يغترف بيديه ليصب على يديه ليغسلهما ، وإن لم يجد يرسل في الماء منديلا ويأخذ طرفه بيده ثم يخرج من البئر فيغسل اليد بقطراته ثم يغسل اليد الأخرى أو يأخذ الثوب بإسنانه فيغسل يديه بالماء الذي يتقاطر ثلاثا ، فإن لم يجد يرفع الماء بفمه فيغسل يديه ، فإن لم يقدر ، فإنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه ا هـ .

                                                                                        وفي مسألة رفع الماء بفيه اختلاف والصحيح أنه يصير مستعملا ، وهو مزيل للخبث ( قوله : كالتسمية ) أي كما أن التسمية سنة في الابتداء مطلقا كذلك غسل اليدين سنة في الابتداء مطلقا أعني : سواء كان الوضوء عن نوم أو غيره لفظها المنقول عن السلف كما في النهاية أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الخبازية بسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام وعن الوبري يتعوذ ثم يبسمل وذكر الزاهدي أنه إن جمع بين ما تقدم والبسملة فحسن وفي المحيط السنة مطلق الذكر كالحمد لله أو لا إله إلا الله وما ذكره المصنف من أنها سنة مختار القدوري

                                                                                        وفي الهداية الأصح أنها مستحبة قيل ، وهو ظاهر الرواية ويسمي قبل الاستنجاء وبعده هو الصحيح إلا مع الانكشاف ، وفي موضع النجاسة كذا في الخانية ، وقد استدل لوجوب التسمية بحديث أبي داود { لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } ، وهو ، وإن ضعف ارتقى إلى الحسن بكثرة طرقه .

                                                                                        وأجاب عنه الطحاوي في شرح الآثار بمعارضته لما في الصحيحين { أنه عليه السلام لم يرد السلام حين سلم عليه رجل حتى أقبل على الجدار فتيمم ثم رد السلام } ولما رواه أبو داود وغيره من حديث المهاجرين { قنفذ لما سلم على النبي عليه السلام ، وهو يتوضأ فلم يرد عليه فلما فرغ قال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء } فهذه تفيد عدم ذكره عليه السلام اسمه تعالى على غير طهارة ومقتضاه انتفاؤه في أول الوضوء فيحمل الأول على نفي الفضيلة جمعا بين الأحاديث وتعقبه في معراج الدراية وشرح المجمع بأنه يلزم منه أن لا تكون التسمية أفضل في ابتداء الوضوء وأن يكون وضوءه عليه السلام خاليا عن التسمية ولا يجوز نسبة ترك الأفضل له عليه السلام وقد يدفع بأنه يجوز ترك الأفضل له تعليما للجواز كوضوئه مرة مرة تعليما لجوازه ، وهو واجب عليه ، وهو أعلى من المستحب لكن يمكن الجمع بين الأحاديث بأن التسمية من لوازم إكماله فكان ذكرها من تمامه والذاكر لها قبل الوضوء مضطر إلى ذكرها لإقامة هذه السنة المكملة للفرض فخصت من عموم الذكر ومطلق الذكر ليس من ضروريات الوضوء والمستحب أن لا يطلق اللسان به إلا على [ ص: 20 ] طهارة ويدخل في التخصيص الأذكار المنقولة على أعضاء الوضوء لكونها من مكملاته كذا في معراج الدراية وهو مبني على أن المراد به نفي الفضيلة ، وهو ظاهر في نفي الجواز لكنه خبر واحد لا يزاد به على الكتاب فمقتضاه الوجوب إلا لصارف فذكر بعضهم أن الصارف قوله عليه السلام { من توضأ وسمى الله تعالى كان طهورا لجميع أعضائه ومن توضأ ولم يسم الله كان طهورا لأعضاء وضوئه } فإنه يقتضي وجود الوضوء بلا تسمية ، وهو مردود من ثلاثة أوجه :

                                                                                        الأول : ضعف الحديث كما بينه في فتح القدير .

                                                                                        الثاني : أن ترك الواجب لا ينفي الوجود ، وإنما يوجب النقصان فقط الثالث أنه يقتضي تجزؤ الطهارة ، وهي غير متجزئة عندنا كذا في المعراج ورده الأكمل في تقديره بأن من توضأ وغسل بعض أعضاء وضوئه كانت الطهارة مقتصرة على ما غسل ، نعم بدن الإنسان باعتبار ما يخرج منه غير متجزئ وقيل الصارف عدم حكاية عثمان وعلي لها لما حكيا وضوءه عليه السلام ورده في فتح القدير بأن عدم النقل لا ينفي الوجود فكيف بعد الثبوت بوجه آخر ألا ترى أنهما لم ينقلا التخليل والسواك ولا شك أنهما سنتان وذكر في المبسوط أن الصارف هو عدم تعليمها للأعرابي لما علمه الوضوء ورده في فتح القدير بأن حديث الأعرابي ، وإن حسنه الترمذي ضعفه ابن القطان قال فأدى النظر إلى وجوبها غير أن صحة الوضوء لا تتوقف عليها ; لأن الركن إنما يثبت بالقاطع ولا يلزم الزيادة على الكتاب بخبر الواحد إلا لو قلنا بالافتراض ، وقد أجاب عن قولهم لا واجب في الوضوء بما حاصله أن هذا الحديث لما كان ظني الثبوت قطعي الدلالة ، ولم يصرفه صارف أفاد الوجوب ولا مانع منه ، وقول من قال إنه ظني الدلالة ممنوع بأنه إن أريد بظنيتها مشتركها فما نحن فيه ليس منه ، فإن الظاهر أن النفي متسلط على الوضوء والحكم الذي هو الصحة

                                                                                        ونفي الكمال احتمال ، وإن أريد بظنيتها ما فيه احتمال ، ولو مرجوحا فلا نسلم أنه لا يثبت به الوجوب ; لأن الظن واجب الاتباع ، وإن كان فيه احتمال ولقائل أن يقول إن قوله عدم النقل لا ينفي الوجود إلى آخره لا يتم في الواجب إذا لا يجوز في التعليم ترك شيء من الواجبات فلو كانت التسمية واجبة لذكراها للحاجة إلى بيانها بخلاف السنن فكان هذا صارفا سالما عن الرد ومرادهم من ظني الدلالة مشتركها كما صرح به الأصوليون ولا شك أنه مشترك شرعي أطلق تارة وأريد به نفي الحقيقة نحو { لا صلاة لحائض إلا بخمار } { ولا نكاح إلا بشهود } وأطلق تارة مرادا به نفي الكمال نحو { لا صلاة للعبد الآبق } و { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } فتعين نفي الحقيقة في الأول بالإجماع ، وفي الثاني ; لأنه مشهور تلقته الأمة بالقبول فتجوز الزيادة بمثله على النصوص المطلقة ، فكانت الشهادة شرطا فعند عدم المرجح لأحد المعنيين كان الحديث ظنيا ، وبه تثبت السنة ومنه حديث التسمية والعجب من الكمال بن الهمام أنه في هذا الموضع نفى ظنية الدلالة عن حديث التسمية بمعنى مشتركها وأثبتها له في باب شروط الصلاة بأبلغ وجوه الإثبات بأن قال ولا شك في ذلك ; لأن احتمال نفي الكمال قائم فالحق ما عليه علماؤنا من أنها مستحبة كيف

                                                                                        وقد قال الإمام أحمد : لا أعلم فيها حديثا ثابتا والله تعالى أعلم .

                                                                                        ولو نسي التسمية في ابتداء الوضوء ثم ذكرها في خلاله فسمى لا تحصل السنة بخلاف نحوه في الأكل كذا في التبيين معللا بأن الوضوء عمل واحد بخلاف الأكل ، فإن كل لقمة فعل مبتدأ ا هـ .

                                                                                        ولهذا ذكر في الخانية لو قال كلما أكلت اللحم فلله علي أن أتصدق بدرهم فعليه بكل لقمة درهم ; لأن كل لقمة أكل لكن قال المحقق ابن الهمام هو إنما يستلزم في الأكل تحصيل السنة في الباقي لا استدراك ما فات ا هـ .

                                                                                        وظاهره مع ما قبله أنه إذا نسي التسمية فإتيانه بها وعدمه سواء مع أن ظاهر ما في السراج الوهاج أن الإتيان بها مطلوب ولفظه ، فإن نسي التسمية في أول الطهارة أتى بها إذا ذكرها قبل الفراغ حتى لا يخلو الوضوء منها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي الدلالة ) [ ص: 17 ] تمثيل لقوله هو ما كان ظني الثبوت قطعي الدلالة ; لأن الذي بمنزلة عكسه ، وهو قطعي الثبوت ظني الدليل وأخبار الآحاد ليس كذلك تأمل ( قوله : وإنشاد الشعر ) قال سيدي العارف بالله تعالى عبد الغني النابلسي في شرحه على هدية ابن العماد .

                                                                                        اعلم أن الشعر ثلاثة أنواع مباح ومثاب عليه ومنهي عنه ; لأنه لا يخلو من أن يكون مشتملا على أوصاف المخلوقات الحسنة كالإنسان والحيوان والنباتات والمعادن ونحو ذلك أو على الأوصاف القبيحة في الإنسان ونحوه ، وهو المسمى بالهجو ، وهو ما ينفر قلب الرجل عن أخيه المسلم ، وهو المنهي عنه ، فإن كان ذلك صدقا ، فقد دخل في الغيبة ، وإن كان كذبا فقد دخل في الكذب فيستحب الوضوء منه ، وأما إذا كان مشتملا على الأوصاف الحسنة كذكر إنسان معين أو غير معين أو ذكر زهر أو روض معين أو غير معين فذلك دائر مع القصد والإرادة ، فإن أراد بذلك اللهو والغفلة والغرور بزخارف الدنيا ; ولذائذها فهو منهي عنه أيضا قال النبي عليه الصلاة والسلام { كل لهو ابن آدم حرام } الحديث وقد مدح ما لا يستوجب المدح ، وهو عارض الدنيا القبيح المنتن فقد أصابته بسبب ذلك نجاسة معنوية فيستحب له إعادة الوضوء بإنشاد ذلك على هذا الوجه المذكور

                                                                                        وأما إن أراد بما ذكرنا بيان صنعة الله تعالى وعظيم حكمته وعجيب ما أظهرته قدرته على صفحات الأكوان من بدائع المخلوقات وغرائب المصنوعات فله إرادته ونيته قال صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } ، وهذا النوع من الشعر مثاب عليه ، وأما المباح فهو أن لا يقصد شيا مما ذكرنا فظهر بذلك أن الشعر بمنزلة الكلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح ولا تعد الاستعارات فيه ولا التشابيه ولا المبالغات من قبيل الكذب بعد أن يكون على حسب التفصيل الذي ذكرناه وأحسن المبالغات ما فيه شيء من أفعال المقاربة قال الله تعالى { يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار } وقد ورد في مدح الشعر ما لا مزيد عليه من الأخبار وكذلك في ذمه ا هـ .

                                                                                        وتمامه فيه ( قوله : ومراده من الوضوء للنوم الوضوء عند إرادة النوم ) هذا الذي يتبادر ويحتمل أن يراد الوضوء لاستيقاظه منه فيكون على تقدير مضاف وكل منهما صحيح إذ يندب الوضوء للنوم على طهارة والوضوء إذا استيقظ منه ليكون مبادرا للطهارة وأداء العبادة كما صرح به الشرنبلالي ، وأما منع الشارح ذلك فغير مسلم إذ الوضوء الفرض إنما هو للصلاة أي إذا أرادها ولم يكن متوضئا ( قوله : لشموله المباح ) أي فيكون غير مانع ، فإنه يصدق عليه أنه ثبت بقوله أو فعله صلى الله عليه وسلم وليس بواجب ولا سنة قال في النهر يعني بناء على ما هو المتصور عندهم من أن الأصل في الأشياء التوقف إلا أن الفقهاء كثيرا ما يلهجون بأن الأصل بالأشياء الإباحة فالتعريف بناء عليه ا هـ .

                                                                                        قلت وفي التحرير للمحقق ابن الهمام الأصل الإباحة عند الجمهور من الحنفية والشافعية [ ص: 18 ] ( قوله : قيل إنه فرض وتقديمه سنة ) الضمير في أنه يعود إلى غسل اليدين لا بقيد الابتداء بدليل قوله وتقديمه سنة ( قوله : واستشكله في الذخيرة إلخ ) قال العلامة الشيخ إسماعيل : الذي ينبغي حمل كلام السرخسي عليه هو عدم النيابة من حيث ثواب الفرض لو أتى به مستقلا قصدا إذا لسنة لا تؤديه ويؤيده اتفاقهم على سقوط الحدث بلا نية ا هـ .

                                                                                        أقول : وعلى هذا فالظاهر أنه لا مخالفة بين الأقوال الثلاثة فالقائل بأنه فرض أراد أنه يجزي عن الفرض وأن تقديم هذا الغسل المجزي عن الفرض سنة وهو مؤدى القول بأنه سنة تنوب عن الفرض والسرخسي إمام جليل دقيق النظر لما رأى في الآية الأمر بغسل اليدين إلى المرفقين قال يعيد غسل الكفين عند غسل الذراعين ليكون آتيا بالمأمور به قصدا ليحصل له ثواب الفرض ، وإن كان الفرض سقط بالغسل الأول لكنه سقط في ضمن الغسل المسنون فهو كسقوطه بالغسل بلا نية فلا ينوب مناب الغسل الكامل من كل جهة فيسن أن يعيد غسلهما لما قلنا ولهذا نقل في النهر عن الذخائر الأشرفية إن السنة عند غسل الذراعين أن يغسل يديه ثلاثا أيضا ا هـ .

                                                                                        ( قوله : والظاهر تقديم اليمنى على اليسرى لأجل التيامن ) كان الظاهر أن يقول [ ص: 19 ] لأجل الضرورة تأمل ( قوله : وهو مزيل للخبث ) أي فيرفع الماء بفيه ويغسل يديه من النجاسة ، وإن صار الماء مستعملا ; لأن المستعمل مزيل الخبث ثم يدخل أصابعه الإناء ليزيل الحدث وفي الذخيرة ذكر الحاكم الشهيد في المنتقى عن أبي يوسف في رجل أخذ بفمه ماء من الإناء فغسل به جسده أو توضأ به لم يجز ولو غسل به نجاسة من بدنه أجزاه ، وفي متفرقات الفقيه أبي جعفر محدث معه ماء قليل وعلى بدنه نجاسة فأخذ الماء بفيه من غير أن ينوي غسل فيه ثم غسل به يديه قال على قول محمد لا تطهر يده ، وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف ; لأن الماء الذي أخذه بفيه خالطه البزاق وخرج عن أن يكون ماء مطلقا فالتحق بسائر المائعات غير الماء نحو الخل والمرق والدهن وماء الورد وفي غسل اليدين بسائر المائعات سوى الماء المطلق روايتان عن أبي يوسف في رواية يطهر كالثوب وفي رواية لا يطهر بخلاف الثوب وعن محمد رواية واحدة أن البدن لا يطهر بخلاف الثوب ، فإنه يطهر بالإجماع ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وقد يدفع ) أي يدفع قوله ولا يجوز نسبة ترك الأفضل له عليه السلام والظاهر أن المراد به الترك دائما بدليل سابق الكلام فلا يرد الدفع المذكور تأمل ( قوله : فخصت من عموم الذكر ) أي الذي تستحب له الطهارة ، وإنما خصت دون غيرها ; لأن مطلق الذكر ليس من ضروريات الوضوء نعم يدخل في المخصوص بقية الأذكار للوضوء بقي هنا شيء ، وهو أن التسمية إذا كانت مخصوصة مما ذكر تنتفي المعارضة التي ذكرها الطحاوي فيبقى الحديث مفيدا للوجوب فيعود المحذور تأمل [ ص: 20 ] ( قوله : وهو مبني على أن المراد به نفي الفضيلة ) أي ما ذكره في معراج الدراية أو ما مر مبني على أن المراد بالحديث أعني { لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } نفي الفضيلة مع أن ظاهره نفي الجواز فيفيد كونها فرضا لكن لكونه آحادا لا يفيدها فيحمل على الوجوب إلا لصارف فيحمل على السنية

                                                                                        ( قوله : وإن أريد بظنها ما فيه احتمال ولو مرجوحا ) أي فيدخل فيه احتمال نفي الكمال ( قوله ولقائل أن يقول إن قوله ) أي قول صاحب فتح القدير ( قوله : ولا شك أنه مشترك ) في دعوى الاشتراك بين المعنى الحقيقي والمجازي تأمل ( قوله : لا أعلم فيها حديثا ثابتا ) يعني بخصوصها ، وإلا فهي مستفادة من الحديث الصحيح { كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله أقطع } ويروى { أبتر } ويروى { أجذم } وأدنى ما فيه الدلالة على السنية ، وهو المعتمد من المذهب الذي يعول عليه ويذهب ( قوله : فإتيانه بها وعدمه سواء ) قال الرملي أي من أنه لا يكون آتيا بالسنة أما أنه يأتي بها بعد غسل بعض أعضاء الوضوء فما في كلام الكمال والزيلعي ما يمنعه تأمل . ا هـ . مقدسي

                                                                                        هذه لقوله ليست بخط المؤلف ، وإنما هي من كلام ابنه بهامش البحر .




                                                                                        الخدمات العلمية