الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 147 ] فصل

[ نصاب الخيل ]

من كان له خيل سائمة ذكور وإناث ، أو إناث ، فإن شاء أعطى عن كل فرس ( سم ) دينارا ، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم ( سم ) خمسة دراهم . ولا زكاة في البغال والحمير ، ولا في العوامل والعلوفة ، ولا في الفصلان والحملان والعجاجيل ( ز س ) إلا أن يكون معها كبار ، ولا في السائمة المشتركة إلا أن يبلغ نصيب كل شريك نصابا ومن وجب عليه سن فلم يوجد عنده أخذ منه أعلى منه ورد الفضل ، أو أدنى منه وأخذ الفضل .

التالي السابق


فصل

( من كان له خيل سائمة ذكور وإناث ، أو إناث ، فإن شاء أعطى عن كل فرس دينارا ، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم ) وقال أبو يوسف ومحمد : لا زكاة في الخيل لرواية أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة " ولأبي حنيفة - رحمه الله - قوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة ) وهذا من جملة الأموال . وقال - عليه الصلاة [ ص: 148 ] والسلام - : ( في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم ، وليس في الرابطة شيء " رواه جابر .

وكتب عمر إلى أبي عبيدة : أن خذ من كل فرس دينارا أو عشرة دراهم . وقياسا على سائر السوائم . وما رواه أبو هريرة ، قال زيد بن ثابت : إنما أراد به فرس الغازي . وعن أبي حنيفة - رحمه الله - : لا شيء في الإناث الخلص لعدم النماء والتوالد ، والصحيح الوجوب لقدرته عليه باستعارة الفحل ; وعنه في الذكور روايتان ، الأصح أنه لا يجب لأنه لا نماء بالولادة ولا بالسمن ؛ لأن عنده لا يؤكل لحمها ; ووجه رواية الوجوب أن زكاة السوائم لا تختلف بالذكورة والأنوثة كالإبل والبقر ; والفرق أن النماء يحصل فيهما بزيادة اللحم وهو مقصود ، بخلاف الخيل لما مر . قال : ( ولا زكاة في البغال والحمير ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - سئل عنها ، فقال : " لم ينزل علي فيها إلا الآية الجامعة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) " .

قال : ( ولا في العوامل والعلوفة ) لما تقدم من اشتراط السوم . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " ليس في البقر العوامل صدقة " رواه ابن عباس ، ولأن النماء منعدم فيها ؛ لأن المئونة تتضاعف بالعلف فينعدم النماء معنى ، والسبب المال النامي .

قال : ( ولا في الفصلان والحملان والعجاجيل ) وقال أبو يوسف : فيها واحدة منها . وقال زفر : فيها ما في الكبار ؛ لأن قوله - عليه الصلاة والسلام - : " في خمس من الإبل شاة " وقوله : " في أربعين شاة شاة " اسم جنس يتناول الكبار والصغار . ولأبي يوسف : أن في إيجار المسنة إجحافا بالمالك ، وفي عدم الوجوب أصلا إضرارا بالفقراء ، فيجب واحدة منها كالمهازيل . ولهما حديث سويد بن غفلة أنه قال : أتانا مصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول : " في عهدي أن لا آخذ من راضع اللبن شيئا " ولأن النصب لا تنصب إلا توقيفا أو اتفاقا وقد عدما في الصغار ، ولأن الشرع أوجب [ ص: 149 ] أسنانا مرتبة في نصب مرتبة ، ولا مدخل للقياس في ذلك ، وليس في الصغار تلك الأسنان .

قال : ( إلا أن يكون معها كبار ) ولو كانت واحدة لأنها تستتبع الصغار لما تقدم من قول عمر - رضي الله عنه - عد عليهم السخلة ، ولو جاء بها الراعي على يده . ثم عند أبي يوسف في أربعين حملا حمل ، وفي مائة وأحد وعشرين اثنان ، وفي مائتين وواحدة ثلاثة ، وفي أربعمائة أربع ، ثم في كل مائة واحدة كالكبار . وفي كل ثلاثين عجلا عجل ، ففي الثلاثين واحد ، وفي الستين اثنان ، وفي تسعين ثلاثة ، وفي مائة وعشرين أربعة وهكذا أما الفصلان ; فعنه أنه لا يجب شيء إلى خمس وعشرين فتجب واحدة منها ، ثم لا يجب شيء حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا يجب ثنتان وهو ستة وسبعون فيكون فيها فصيلان ، ثم لا يجب شيء حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا يجب فيها ثلاثة وهي مائة وخمس وأربعون فيجب ثلاث فصلان وهكذا .

وعنه أيضا أنه يجب في الخمس الأقل من قيمة شاة ومن خمس فصيل ، وفي العشر الأقل من شاتين وخمس فصيل ، وعنه أيضا أنه يجب في الخمس خمس فصيل ، وفي العشر خمسا فصيل وهكذا ; وصورة المسألة لرجل له نصاب من السائمة مضى عليها بعض السنة فولدت ثم ماتت الأمهات فحال الحول على الأول ، فعندهما ينقطع حكم الحول والزكاة . وعند أبي يوسف وزفر لا ينقطع .

قال : ( ولا في السائمة المشتركة إلا أن يبلغ نصيب كل شريك نصابا ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا انتقص شياه الرجل من أربعين فلا شيء عليها " ولأنه إنما تجب باعتبار الغنى ولا غنى إلا بالملك ، فإنه لا يعد غنيا بملك شريكه ، ويستوي في ذلك شركة الأملاك والعقود ، فلو كان بينه وبين آخر خمس من الإبل أو أربعون شاة فلا شيء على واحد منهما ، ولو كان بينهما عشر من الإبل أو ثمانون شاة فعلى كل واحد منهما شاة ، ولو كانت بين صبي وبالغ فعلى البالغ شاة .

قال : ( ومن وجب عليه سن فلم يوجد عنده أخذ منه أعلى منه ورد الفضل أو أدنى منه وأخذ الفضل ) وهذا يبنى على جواز دفع القيمة ، ثم الخيار لصاحب المال هو الصحيح ، إن شاء أدى القيمة ، وإن شاء أدى الناقص وفضل القيمة أو الزائد وأخذ الفضل ، وليس للساعي أن يأبى شيئا من ذلك إذا أداه المالك ؛ لأن التيسير على أرباب الأموال مراعى .




الخدمات العلمية