الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون

                                                                                                                                                                                                                                        (12) لما ذكر تعالى رجوعهم إليه يوم القيامة، ذكر حالهم في مقامهم بين يديه فقال: ولو ترى إذ المجرمون الذين أصروا على الذنوب العظيمة، ناكسو رءوسهم عند ربهم خاشعين خاضعين أذلاء، مقرين بجرمهم، سائلين الرجعة قائلين: ربنا أبصرنا وسمعنا أي: بان لنا الأمر، ورأيناه عيانا، فصار عين يقين.

                                                                                                                                                                                                                                        فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون أي: صار عندنا الآن، يقين بما كنا نكذب به، أي: لرأيت أمرا فظيعا، وحالا مزعجة، وأقواما خاسرين، وسؤلا غير مجاب، لأنه قد مضى وقت الإمهال.

                                                                                                                                                                                                                                        (13) وكل هذا بقضاء الله وقدره، حيث خلى بينهم وبين الكفر والمعاصي، [ ص: 1364 ] فلهذا قال: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها أي: لهدينا الناس كلهم، وجمعناهم على الهدى، فمشيئتنا صالحة لذلك، ولكن الحكمة تأبى أن يكونوا كلهم على الهدى، ولهذا قال: ولكن حق القول مني أي: وجب، وثبت ثبوتا لا تغير فيه لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فهذا الوعد، لا بد منه، ولا محيد عنه، فلا بد من تقرير أسبابه من الكفر والمعاصي.

                                                                                                                                                                                                                                        (14) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا أي: يقال للمجرمين، الذين ملكهم الذل، وسألوا الرجعة إلى الدنيا، ليستدركوا ما فاتهم، قد فات وقت الرجوع ولم يبق إلا العذاب، فذوقوا العذاب الأليم، بما نسيتم لقاء يومكم هذا، وهذا النسيان نسيان ترك، أي: بما أعرضتم عنه، وتركتم العمل له، وكأنكم غير قادمين عليه، ولا ملاقوه.

                                                                                                                                                                                                                                        إنا نسيناكم أي: تركناكم بالعذاب، جزاء من جنس عملكم، فكما نسيتم نسيتم، وذوقوا عذاب الخلد أي: العذاب غير المنقطع، فإن العذاب إذا كان له أجل وغاية، كان فيه بعض التنفيس والتخفيف، وأما عذاب جهنم - أعاذنا الله منه - فليس فيه روح راحة، ولا انقطاع لعذابهم فيها. بما كنتم تعملون من الكفر والفسوق والمعاصي.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية