الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1843 [ ص: 61 ] باب: إذا أقبل الليل وغربت الشمس، أفطر الصائم

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب بيان وقت انقضاء الصوم، وخروج النهار ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 209 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، في شهر رمضان. فلما غابت الشمس قال: "يا فلان! انزل فاجدح لنا". قال: يا رسول الله! إن عليك نهارا. قال: "انزل فاجدح لنا" قال: فنزل فجدح، فأتاه به، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بيده: "إذا غابت الشمس من ههنا، وجاء الليل من ههنا، فقد أفطر الصائم ". ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله في سفر، في شهر رمضان. فلما غابت الشمس قال: " يا فلان ! انزل فاجدح لنا ". قال: يا رسول الله ! إن عليك نهارا ).

                                                                                                                              وفي رواية: (يا رسول الله ! لو أمسيت ؟ ).

                                                                                                                              [ ص: 62 ] ( قال: " انزل فاجدح لنا". قال: فنزل فجدح ) بجيم ثم حاء، وهو خلط الشيء بغيره.

                                                                                                                              والمراد هنا: خلط السويق بالماء، وتحريكه حتى يستوي.

                                                                                                                              (والمجدح ) بكسر الميم: ( عود مجنح الرأس )، ليساط به الأشربة.

                                                                                                                              وقد يكون له ثلاث شعب.

                                                                                                                              والمعنى: أن رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم" وأصحابه كانوا صياما.

                                                                                                                              وكان ذلك في شهر رمضان، كما صرح به في الرواية. فلما غربت الشمس، أمره النبي، " صلى الله عليه وآله وسلم" (بالجدح ) ليفطروا.

                                                                                                                              فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة، التي بعد غروب الشمس، فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك، واحتمل عنده: أن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " لم يرها ؛ فأراد تذكيره وإعلامه بذلك.

                                                                                                                              ويؤيد هذا: ذكره النهار والمساء، لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه.

                                                                                                                              وهو معنى: ( لو أمسيت ؟ ). أي: تأخرت حتى يدخل المساء.

                                                                                                                              وتكريره المراجعة، لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهار، يحرم فيه الأكل، مع تجويزه: أن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم " لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما. فقصد: زيادة الإعلام ببقاء الضوء.

                                                                                                                              [ ص: 63 ] وفي هذا الحديث: جواز الصوم في السفر، وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة.

                                                                                                                              وفيه: بيان انقضاء الصوم، بمجرد غروب الشمس.

                                                                                                                              وتذكير العالم ما يخاف أن يكون نسيه.

                                                                                                                              واستحباب تعجيل الفطر.

                                                                                                                              (فأتاه به، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بيده ).

                                                                                                                              أي: نحو المشرق، كما في رواية أخرى.

                                                                                                                              ( إذا غابت الشمس من ههنا. وجاء الليل من ههنا، فقد أفطر الصائم ).

                                                                                                                              معناه: انقضى صومه، وتم. ولا يوصف الآن بأنه صائم.

                                                                                                                              فإن بغروب الشمس خرج النهار، ودخل الليل. والليل ليس محلا للصوم.

                                                                                                                              وفي رواية عن عمر يرفعه، عند مسلم أيضا، بلفظ:

                                                                                                                              " إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم ".

                                                                                                                              قال أهل العلم: كل واحد من هذه الثلاثة، يتضمن الآخرين ويلازمهما. وإنما جمع بينها، لأنه قد يكون في واد ونحوه، بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء.

                                                                                                                              [ ص: 64 ] وفي هذا الحديث: أن الفطر على التمر ليس بواجب، وإنما هو مستحب لو تركه جاز.

                                                                                                                              وأن الأفضل بعده: الفطر على الماء.

                                                                                                                              وقد جاء هذا الترتيب في الحديث الآخر، في ( سنن أبي داود وغيره )، في الأمر بالفطر على تمر. فإن لم يجد فعلى الماء، فإنه طهور. والله أعلم بالصواب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية