الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين

                                                                                                                                                                                                كان أمة فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                أحدهما: أنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير; كقوله [من السريع]:


                                                                                                                                                                                                وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد



                                                                                                                                                                                                وعن مجاهد : كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار.

                                                                                                                                                                                                والثاني: أن يكون أمة بمعنى مأموم، أي: يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى: مؤتم به كالرحلة والنخبة، وما أشبه ذلك مما جاء من فعلة بمعنى: مفعول، [ ص: 483 ] فيكون مثل قوله: قال إني جاعلك للناس إماما [البقرة: 124]، وروى الشعبي عن فروة بن نوفل الأشجعي عن ابن مسعود أنه قال: إن معاذا كان أمة قانتا لله، فقلت: غلطت، إنما هو إبراهيم، فقال: الأمة: الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله ورسوله، وكان معاذ كذلك، وعن عمر -رضي الله عنه- أنه قال حين قيل له: ألا تستخلف ؟ لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان معاذ حيا لاستخلفته، ولو كان سالم حيا لاستخلفته، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " أبو عبيدة أمين هذه الأمة، ومعاذ أمة قانت لله، ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون، وسالم شديد الحب لله، لو كان لا يخاف الله لم يعصه"، وهو ذلك المعنى، أي: كان [ ص: 484 ] إماما في الدين; لأن الأئمة معلمو الخير، والقانت: القائم بما أمره الله، والحنيف: المائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنه، ونفي عنه الشرك; تكذيبا لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم، شاكرا لأنعمه : روي أنه كان لا يتغدى إلا مع ضيف، فلم يجد ذات يوم ضيفا، فأخر غداءه، فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر، فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاما ؟ فقال: الآن وجبت مواكلتكم شكرا لله على أنه عافاني وابتلاكم، اجتباه : اختصه واصطفاه للنبوة، وهداه إلى صراط مستقيم : إلى ملة الإسلام، حسنة : عن قتادة : هي تنوبه الله بذكره، حتى ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه، وقيل: الأموال والأولاد، وقيل: قول المصلي منا: كما صليت على إبراهيم، لمن الصالحين : لمن أهل الجنة.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية