الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل: فما له يمهلهم ولا يعالجهم بالأخذ قبل النكاية [ ص: 305 ] في أوليائه وأهل وده وأصفيائه؟ قال: "ذلك" أي: الأخذ على هذه الحالة بأن الله أي: بسبب أنهم غيروا ما في أنفسهم، وقد كان له سبحانه أن يأخذهم قبل أن يغيروا لعلمه بما في ضمائرهم، ولكنه تعالى أجرى سنته الإلهية لتمام علمه وكمال قدرته وإحاطته بجميع صفات الكمال بأنه: لم يك هكذا كان الأصل، ولكن حذف اختصارا تقريبا لبيان تعميم العلة وإبعادا للسامع من مثل ذلك، وحذف نون "يكن" إرشادا إلى أن هذه الموعظة خليقة بأن يوجز بها غاية الإيجاز فيبادر إلى إلقائها لما في حسن تلقيها من عظيم المنفعة؛ لأن من خالفها جدير بتعجيل الانتقام مغيرا نعمة أي: قلت أو جلت، وبين أنه لا نعمة على أحد إلا منه فقال: أنعمها على قوم أي: من أي طائفة كانوا حتى يغيروا أي: يبدلوا ما يعتقدونه، بأنفسهم بغيره مما هو غريزة لهم وهو حفي عنهم، يظنون اتصافهم بضده مما هو ظاهر لهم اتصافا غريزيا وأن أي: وبسبب أن الله أي الذي له الكمال [كله] سميع أي: لما يكذبون به الرسل ولأقوالهم: إن ما يظهرونه وصفهم الحقيقي، عليم أي: بما تكن ضمائرهم من غيره وإن جهلوه هم فيبتليهم ببلاء يظهر [به] ذلك المكنون ويبرز به كل سر مصون، فإذا تعلق به العلم ظاهرا علق به الحكم قاهرا لتمام قيام الحجة، ولتمام علمه بحالهم أمهلهم، وإنما يستعجل من يخاف أن تخيب فراسته أو يتغير علمه، وأما الذي علمه [ ص: 306 ] بالظواهر والضمائر على حد سواء فالحالتان عنده سيان، فهو يمهل لإتمام الحكمة ولا يهمل من استحق النقمة، وذلك التغيير الذي أظهره البلاء هو التكذيب بالحق عنادا والبعد عما كانوا يدعونه من العدل والمشي على مناهيج العقل والاستحياء من العناد، والتنزه من طرق الفساد، هكذا كانت كل أمة أرسلت إليها الرسل تدعي وما عندها من خلاف ذلك مستور في ضمائرها مكنون في سرائرها، لا تعلمه كما تشاهد أكثر من تعاشره، يظن في نفسه ما ليس فيها، وعند الامتحان يكذبه العيان، فلما جاءتهم الرسل وأوضحوا لهم الأمر إيضاحا ليس معه لبس فكذبوهم، غيروا ما كان في نفوسهم مما كانوا يزعمون;

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية