الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 321 ] قوله : ويجعله كسفا فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : قطعا ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : متراكما بعضه على بعض ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : في سماء دون سماء ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        فترى الودق يخرج من خلاله أي من خلال السحاب . وقرأ الضحاك بن مزاحم : من خلله ، وفي الودق تأويلان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه البرق ، حكاه أبو نخيلة الحماني عن أبيه .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه المطر ، قاله مجاهد والضحاك ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها



                                                                                                                                                                                                                                        قوله : فانظر إلى آثار رحمت الله يعني المطر .

                                                                                                                                                                                                                                        كيف يحيي الأرض بعد موتها يعني بالماء حتى أنبتت شجرا ومرعى بعد أن كانت بالجدب مواتا ، قال عكرمة : ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة .

                                                                                                                                                                                                                                        إن ذلك لمحيي الموتى لأن القادر على إحياء الأرض الموات قادر على إحياء الأموات استدلالا بالشاهد على الغائب . وتأول من تعمق في غوامض المعاني آثار رحمة الله أنه مواعظ القرآن وحججه تحيي القلوب الغافلة .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله : ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : فرأوا السحاب مصفرا ، لأن السحاب إذا كان كذلك لم يمطر ، حكاه علي ابن عيسى وقيل إنها الريح الدبور لأنها لا تلقح .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : فرأوا الزرع مصفرا بعد اخضراره ، قاله ابن عباس وأبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                        لظلوا من بعده يكفرون ومعنى ظل هو أنه أوقع الفعل في صدر النهار وهو الوقت الذي فيه الظل ، لأنه وقت مختص بأهم الأمور لتقديمه عن نية من الليل . وكذلك قولهم أضحى يفعل ، لكن قد يعبر بقولهم ظل يفعل عن فعل أول النهار وآخره اتساعا لكثرة استعماله ، وقلما يستعمل أضحى يفعل إلا في صدر النهار دون آخره .

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل يكفرون هنا وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 322 ] أحدهما : يشكون .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يذمون .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية