الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1846 باب النهي عن الوصال في الصوم

                                                                                                                              ومثله في النووي.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 212 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله! تواصل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: "لو تأخر الهلال لزدتكم" كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا. ]

                                                                                                                              [ ص: 67 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 67 ] (الشرح)

                                                                                                                              عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ؛ فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله ! تواصل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ". ).

                                                                                                                              قال النووي : معناه: يجعل الله تعالى في قوة الطاعم الشارب.

                                                                                                                              وقيل: هو على ظاهره. وأنه يطعم من طعام الجنة، كرامة له.

                                                                                                                              قال: والصحيح الأول. لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا.

                                                                                                                              ومما يوضح هذا التأويل، ويقطع كل نزاع: قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذا: "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ".

                                                                                                                              ولفظة ( ظل )، لا تكون إلا في النهار، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك. انتهى.

                                                                                                                              قلت: ولا يبعد حمله على ظاهره. بل هو الراجح.

                                                                                                                              وليس ذلك من طعام الدنيا وشرابها، حتى يصدق عليه الأكل المنهي عنه في الصوم.

                                                                                                                              وقد ذكر المجد الشيرازي ( في الصراط المستقيم ) لهذا الحديث: معاني أخر. فراجع.

                                                                                                                              [ ص: 68 ] (فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: "لو تأخر الهلال: لزدتكم" كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا ).

                                                                                                                              اتفق الشافعية على النهي عن الوصال. وهو صوم يومين فصاعدا، من غير أكل أو شرب بينهما.

                                                                                                                              نص الشافعية على كراهته. ولهم في هذه الكراهة وجهان:

                                                                                                                              أصحهما: أنها كراهة تحريم. والثاني: كراهة تنزيه.

                                                                                                                              وبالنهي عنه قال جمهور العلماء.

                                                                                                                              قال عياض : اختلف العلماء في أحاديث الوصال، فقيل: النهي عنه رحمة وتخفيف، فمن قدر فلا حرج. وقد واصل جماعة من السلف الأيام.

                                                                                                                              قال: وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق، إلى السحر.

                                                                                                                              ثم حكي عن الأكثرين كراهته.

                                                                                                                              وقال الخطابي وغيره من الشافعية: الوصال من الخصائص التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحرمت على الأمة.

                                                                                                                              واحتج من أباحه بقوله في بعض طرق مسلم: (نهاهم عن الوصال، رحمة لهم ).

                                                                                                                              وفي بعضها: "لو مد لنا الشهر، لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم".

                                                                                                                              [ ص: 69 ] واحتج الجمهور بعموم النهي، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تواصلوا ".

                                                                                                                              وقوله: (رحمة )، لا يمنع كونه نهيا عنه للتحريم.

                                                                                                                              وسبب تحريمه: الشفقة عليهم، لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم.

                                                                                                                              وأما الوصال بهم يوما، ثم يوما: فاحتمل للمصلحة في تأكيد زجرهم، وبيان الحكمة في نهيهم، والمفسدة المترتبة على الوصال. وهي ( الملل ) من العبادة، والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين: من إتمام الصلاة بخشوعها، وأذكارها، وآدابها وملازمة الأذكار، وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليله. والله أعلم. قاله النووي .

                                                                                                                              وأيضا: يحتمل أن الوصال قد يفضي ببعضهم إلى الهلاك، إذا طالت المدة.

                                                                                                                              وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الصبر.

                                                                                                                              قال في ( السيل الجرار ): وجه تحريم ( الوصال ): أنه ثبت النهي عنه ( عن النبي ) صلى الله عليه وآله وسلم، في أحاديث في الصحيحين وغيرهما.

                                                                                                                              والنهي حقيقة في التحريم. ولا ينافي هذا: مواصلته صلى الله عليه وآله وسلم، فقد بين العلة في ذلك، لما قالوا: إنك تواصل.

                                                                                                                              [ ص: 70 ] فقال: " لست كهيئتكم. إني يطعمني ربي ويسقيني ".

                                                                                                                              فاقتضى هذا أن الجواز خاص به لهذه العلة. ولو لم يكن محرما على غيره، لما واصل بهم. انتهى.

                                                                                                                              والحديث له طرق وألفاظ، عند مسلم في صحيحه.

                                                                                                                              وفي بعضها: " إنكم لستم في ذلك مثلي. إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ؛ فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون ".

                                                                                                                              وفي لفظ: " فاكلفوا ما لكم به طاقة". وفي بعضها: " إني لست مثلكم. إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ".

                                                                                                                              (والمتعمقون ): هم المشددون في الأمور، المجاوزون الحدود في قول أو فعل.

                                                                                                                              [ ص: 71 ]



                                                                                                                              الخدمات العلمية