الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 493 ] سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن nindex.php?page=treesubj&link=29547قوم منتسبين إلى المشايخ : يتوبونهم عن قطع الطريق وقتل النفس والسرقة ; وألزموهم بالصلاة ; لكنهم يصلون صلاة عادة البادية فهل يجب إقامة حدود الصلاة أم لا ؟ ومع هذا شعارهم الرفض وكشف الرءوس وتفتيل الشعر وحمل الحيات .
ثم غلب على قلوبهم حب الشيوخ .
حتى كلما عثر أحدهم أو همه أمر استغاث بشيخه ويسجدون لهم مرة في غيبتهم ومرة في حضورهم فتارة يصادف السجود إلى القبلة وتارة إلى غيرها - حيث كان شيخه - ويزعمون هذا لله . ومنهم من nindex.php?page=treesubj&link=29536_28823يأخذ أولاد الناس حوارات برضى الوالدين وبغير رضاهم وربما كان ولد الرجل معينا لوالديه على السعي في الحلال فيأخذه ويعلمه الدروزة وينذر للموتى .
ومنهم من يواخي النسوان فإذا نهوا عن ذلك قال : لو حصل لي أمك وأختك وأختيهما فإذا قيل : لا تنظر أجنبية .
قال : أنظر عشرين نظرة ويحلفون [ ص: 494 ] بالمشايخ .
وإذا نهوا عن شيء من ذلك .
قال : أنت شرعي .
فهل المنكر عليهم مأجور أم لا ؟ nindex.php?page=treesubj&link=28823_29536_29538وهل اتخاذ الخرقة على المشايخ له أصل في الشرع أم لا ؟ وهل انتساب كل طائفة إلى شيخ معين يثاب عليه .
أم لا ؟ وهل التارك له آثم أم لا ؟ ويقولون : إن الله يرضى لرضا المشايخ ويغضب بغضبهم ويستندون إلى قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=59735المرء مع من أحب } و { nindex.php?page=hadith&LINKID=8756أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله } فهل ذلك دليل لهم أم هو شيء آخر ؟ ومن هذه حاله هل يجوز دفع الزكاة إليه ؟ ؟
فأجاب - قدس الله روحه - وأما nindex.php?page=treesubj&link=29536كشف الرءوس وتفتيل الشعر وحمل الحيات : فليس هذا من شعار أحد من الصالحين ; لا من الصحابة ولا التابعين ولا شيوخ المسلمين لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي ولا غيره وإنما ابتدع هذا بعد موت الشيخ أحمد بمدة طويلة ابتدعه طائفة انتسبت إليه فخالفوا طريق المسلمين وخرجوا عن حقائق الدين وفارقوا طريق عباد الله الصالحين وهم نوعان : أهل حال إبليسي .
وأهل محال تلبيسي .
فأما أهل " الأحوال " [ ص: 495 ] منهم : فهم قوم اقترنت بهم الشياطين كما يقترنون بإخوانهم ; فإذا حضروا سماع المكاء والتصدية أخذهم الحال فيزيدون ويرغون .
كما يفعله المصروع .
ويتكلمون بكلام لا يفهمونه هم ولا الحاضرون ; وهي شياطينهم تتكلم على ألسنتهم عند غيبة عقولهم كما يتكلم الجني على لسان المصروع ولهم مشابهون في الهند من عباد الأصنام ومشابهون بالمغرب يسمى أحدهم المصلي ; وهؤلاء الذين في المغرب من جنس الزط الذين لا خلاق لهم ; فإذا كان لبعض الناس مصروع أو نحوه أعطاهم شيئا فيجيئون ويضربون لهم بالدف والملاهي ويحرقون ويوقدون نارا عظيمة مؤججة ويضعون فيها الحديد العظيم حتى يبقى أعظم من الجمر وينصبون رماحا فيها أسنة ثم يصعد أحدهم يقعد فوق أسنة الرماح قدام الناس ويأخذ ذلك الحديد المحمي ويمره على يديه وأنواع ذلك .
ويرى الناس حجارة يرمى بها ولا يرون من رمى بها وذلك من شياطينهم الذين يصعدون بهم فوق الرمح وهم الذين يباشرون النار وأولئك قد لا يشعرون بذلك كالمصروع الذي يضرب ضربا وجيعا وهو لا يحس بذلك ; لأن الضرب يقع على الجني فكذا حال أهل الأحوال الشيطانية ولهذا كلما كان الرجل أشبه بالجن والشياطين كان حاله أقوى ولا يأتيهم الحال إلا عند مؤذن الشيطان وقرآنه فمؤذنه المزمار وقرآنه الغناء .
[ ص: 496 ] ولا يأتيهم الحال عند الصلاة والذكر والدعاء والقراءة فلا لهذه الأحوال فائدة في الدين ولا في الدنيا ولو كانت أحوالهم من جنس عباد الله الصالحين وأولياء الله المتقين لكانت تحصل عندما أمر الله به من العبادات الدينية ولكان فيها فائدة في الدين والدنيا لتكثير الطعام والشراب عند الفاقات واستنزال المطر عند الحاجات والنصر على الأعداء عند المخافات وهؤلاء nindex.php?page=treesubj&link=28806_28808_28829أهل الأحوال الشيطانية في التلبيس يمحقون البركات ويقوون المخافات ويأكلون أموال الناس بالباطل لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ولا يجاهدون في سبيل الله بل هم مع من أعطاهم وأطعمهم وعظمهم وإن كان تتريا ; بل يرجحون التتر على المسلمين ويكونون من أعوانهم ونصرائهم الملاعين وفيهم من يستعين على الحال بأنواع من السحر والشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله .
وأما أهل " المحال " منهم : فهم يصنعون أدوية كحجر الطلق ودهن الضفادع وقشور النارنج ونحو ذلك .
يمشون بها على النار ويمسكون نوعا من الحيات يأخذونها بضعة ويقدمون على أكلها بفجور وما يصنعونه من السكر واللاذن وماء الورد وماء الزعفران والدم فكل ذلك حيل وشعوذة يعرفها الخبير بهذه الأمور .
ومنهم من تأتيه الشياطين وذلك هم أهل المحال الشيطاني .
[ ص: 497 ] فصل وأما ما ذكروا من nindex.php?page=treesubj&link=29553غلوهم في الشيوخ : فيجب أن يعلم أن الشيوخ الصالحين الذين يقتدى بهم في الدين هم المتبعون لطريق الأنبياء والمرسلين كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ومن له في الأمة لسان صدق - وطريقة هؤلاء دعوة الخلق إلى الله وإلى طاعته وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
والمقصود أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا .
[ ص: 499 ] { وروي أن بعض الصحابة قال : يا رسول الله هل ربنا قريب فنناجيه ؟ أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية } فهو سبحانه سميع قريب مجيب رحيم وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وهو يعلم من أحوال العباد ما لا يعلمه غيره ويقدر على قضاء حوائجهم التي لا يقدر عليها غيره ويرحمهم رحمة لا يرحمهم بها غيره .
فليس لأحد أن nindex.php?page=treesubj&link=28703_29431_29553_29440_29496يدعو شيخا ميتا أو غائبا ; بل ولا يدعو ميتا ولا غائبا : لا من الأنبياء ولا غيرهم فلا يقول لأحدهم : يا سيدي فلان أنا في حسبك أو في جوارك ولا يقول : بك أستغيث وبك أستجير ولا يقول : إذا عثر : يا فلان ولا يقول : محمد وعلي ولا الست نفيسة [ ص: 500 ] ولا سيدي الشيخ أحمد ولا الشيخ عدي ولا الشيخ عبد القادر ولا غير ذلك ولا نحو ذلك مما فيه دعاء الميت والغائب ومسألته والاستغاثة به والاستنصار به بل ذلك من أفعال المشركين وعبادات الضالين .
ومن المعلوم أن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في صحيح البخاري { أن الناس لما أجدبوا استسقى عمر بالعباس .
وقال اللهم إنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا . وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا فيسقون } فكانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم كما يتوسل به الناس يوم القيامة ويستشفعون به إلى ربهم فيأذن الله له في الشفاعة فيشفع لهم .
{ وإذا كان يوم القيامة يجيء الناس إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فيطلبون الشفاعة منهم فلا يشفع لهم أحد من هؤلاء الذين هم سادة الخلق حتى يأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 501 ] فيأتي ربه فيحمده بمحامد ويسجد له فإذا أذن له في الشفاعة شفع لهم } .
فهذه حال هؤلاء الذين هم أفضل الخلق ; فكيف غيرهم ؟ فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يدعونه ولا يستغيثون به ولا يطلبون منه شيئا لا عند قبره ولا بعيدا من قبره ; بل ولا يصلون عند قبره ولا قبر غيره لكن يصلون ويسلمون عليه ويطيعون أمره ويتبعون شريعته ويقومون بما أحبه الله تعالى من حق نفسه وحق رسوله وحق عباده المؤمنين فإنه صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30388لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم .
فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597198اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597199لا تتخذوا قبري عيدا .
وصلوا علي حيث كنتم فإن صلاتكم تبلغني } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597200لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا } { nindex.php?page=hadith&LINKID=30523وقال له رجل : ما شاء الله وشئت فقال : أجعلتني لله ندا ؟ قل : ما شاء الله وحده } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30523لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد } .
وفي المسند { nindex.php?page=hadith&LINKID=597201أن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل سجد له .
فقال : ما هذا يا معاذ ؟ فقال : يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم فقال : يا معاذ لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597202يا [ ص: 502 ] معاذ أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجدا لقبري قال : لا قال : فإنه لا يصلح السجود إلا لله } أو كما قال .
فإذا كان nindex.php?page=treesubj&link=28698السجود لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا ولا لقبره فكيف يجوز السجود لغيره ؟ بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30040لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } فقد نهى عن الصلاة إليها كما نهى عن اتخاذها مساجد ولهذا لما أدخلوا حجرته في المسجد لما وسعوه جعلوا مؤخرها مسنما منحرفا عن سمت القبلة لئلا يصلي أحد إلى الحجرة النبوية فما الظن بالسجود إلى جهة غيره .
كائنا من كان .
وأما قول القائل : هذا السجود لله تعالى فإن كان كاذبا في ذلك فكفى بالكذب خزيا وإن كان صادقا في ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل فإن السجود لا يكون إلا على الوجه المشروع وهو السجود في الصلاة وسجود السهو وسجود التلاوة وسجود الشكر على أحد قولي العلماء .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=28823_29428السجود عقيب الصلاة بلا سبب فقد كرهه العلماء وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=28823ما يفعله بعض المشايخ من سجدتين بعد الوتر لم يفعله أحد من السلف ولا استحبه أحد من الأئمة ولكن هؤلاء بلغهم حديث رواه أبو موسى الذي في ( الوظائف { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان [ ص: 503 ] يصلي سجدتين بعد الوتر } ففعلوا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه { أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس ولم يداوم على ذلك } فسميت الركعتان سجدتين .
كما في أحاديث أخر .
فهذا هو أصل ذلك .
والكلام في هاتين الركعتين مذكور في غير هذا الموضع .
وأما السجدتان فلا أصل لهما ولا للسجود المجرد بلا سبب وقالوا هو بدعة فكيف بالسجود إلى جهة مخلوق من غير مراعاة شروط الصلاة وهذا يشابه من يسجد للشرق في الكنيسة مع النصارى ويقول : لله أو يسجد مع اليهود إلى الصخرة ويقول : لله ; بل سجود النصارى واليهود لله وإن كان إلى غير قبلة المسلمين خير من السجود لغير الله .
بل هذا بمنزلة من يسجد للشمس عند طلوعها وغروبها ويسجد لبعض الكواكب والأصنام ويقولون : لله .
فصل وأما nindex.php?page=treesubj&link=17996_25451فساد الأولاد : بحيث يعلمه الشحاذة ويمنعه من الكسب الحلال أو يخرجه ببلاده مكشوف الشعر في الناس فهذا يستحق [ ص: 504 ] صاحبه العقوبة البليغة التي تزجره عن هذا الإفساد لا سيما إن أدخلوهم في الفواحش وغير ذلك من المنكرات ; ويجب nindex.php?page=treesubj&link=17996_26773تعليم أولاد المسلمين ما أمر الله بتعليمهم إياه وتربيتهم على طاعة الله ورسوله .
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=597203مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع }
فصل وأما " nindex.php?page=treesubj&link=28687_28106النذر للموتى " من الأنبياء والمشايخ وغيرهم : أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم .
فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى .
سواء كان النذر نفقة أو ذهبا أو غير ذلك وهو شبيه بمن ينذر للكنائس ; والرهبان وبيوت الأصنام .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37477من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } " وقد اتفق العلماء على أن nindex.php?page=treesubj&link=28687_4181_28106نذر المعصية لا يجوز الوفاء به ; بل عليه كفارة يمين في أحد قولي العلماء وهذا إذا كان النذر لله وأما إذا كان النذر لغير الله فهو كمن يحلف بغير الله وهذا شرك .
فيستغفر الله منه وليس في هذا وفاء ولا كفارة .
ومن تصدق بالنقود على أهل الفقر والدين فأجره على رب العالمين .
[ ص: 505 ] وأصل nindex.php?page=treesubj&link=4160عقد النذر منهي عنه .
كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597204إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل } " وإذا نذر فعليه الوفاء بما كان طاعة لله كالصلاة والصدقة والصيام والحج ; دون ما لم يكن طاعة لله تعالى .
فصل فأما nindex.php?page=treesubj&link=19345_25018مؤاخاة الرجال النساء الأجانب وخلوهم بهن ونظرهم إلى الزينة الباطنة منهن : فهذا حرام باتفاق المسلمين ومن جعل ذلك من الدين فهو من إخوان الشياطين .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=67943لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12904إياكم والدخول على النساء .
قالوا : يا رسول الله : أرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت } " ومن لم ينته عن ذلك عوقب عقوبة بليغة تزجره وأمثاله من أهل الفساد والعناد .
[ ص: 506 ] فصل وأما nindex.php?page=treesubj&link=16377الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشايخ والملوك وغيرهم فإنه منهي عنه غير منعقد باتفاق الأئمة ولم ينازعوا إلا في الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة .
والجمهور على أنه لا تنعقد اليمين لا به ولا بغيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=597205من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=36247من حلف بغير الله فقد أشرك } فمن حلف بشيخه أو بتربته أو بحياته أو بحقه على الله أو بالملوك أو بنعمة السلطان أو بالسيف أو بالكعبة أو أبيه أو تربة أبيه أو نحو ذلك كان منهيا عن ذلك ولم تنعقد يمينه باتفاق المسلمين .
فصل وأما قول القائل : لمن أنكر عليه أنت شرعي .
فكلام صحيح فإن أراد بذلك أن الشرع لا يتبعه أو لا يجب عليه اتباعه وأنا خارج عن اتباعه فلفظ الشرع قد صار له في عرف الناس " ثلاث معان " الشرع المنزل والشرع المؤول والشرع المبدل .
[ ص: 507 ] فأما الشرع المنزل : فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعا له ومن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وأما المؤول فهو ما اجتهد فيه العلماء من الأحكام فهذا من قلد فيه إماما من الأئمة ساغ ذلك له ولا يجب على الناس nindex.php?page=treesubj&link=22355_29536التزام قول إمام معين .
وأما الشرع المبدل فهو الأحاديث المكذوبة والتفاسير المقلوبة والبدع المضلة التي أدخلت في الشرع وليست منه والحكم بغير ما أنزل الله .
فهذا ونحوه لا يحل لأحد اتباعه .
وإنما حكم الحكام بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر nindex.php?page=treesubj&link=28444وحكم الحاكم لا يحيل الأشياء عن حقائقها .
فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12365إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض .
وإنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له من أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار } فهذا قول إمام الحكام وسيد ولد آدم .
[ ص: 508 ] وقال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=597206إذا اجتهد الحاكم : فإن أصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر } " وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=597207القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة .
رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس بجهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار } " .
ومن خرج عن الشرع الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ظانا أنه متبع للحقيقة فإنه مضاه للمشركين المكذبين للرسل ولفظ " الحقيقة " يقال : على " حقيقة كونية " و " حقيقة بدعية " و " حقيقة شرعية " .
ف " الحقيقة الكونية " مضمونها الإيمان بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه .
وهذا مما يجب أن يؤمن به ولا يجوز أن يحتج به بل لله علينا الحجة البالغة nindex.php?page=treesubj&link=28788فمن احتج بالقدر فحجته داحضة ومن nindex.php?page=treesubj&link=28788اعتذر بالقدر عن المعاصي فعذره غير مقبول .
وأما " الحقيقة البدعية " فهي سلوك طريق الله سبحانه وتعالى مما يقع في قلب العبد من الذوق والوجد والمحبة والهوى من غير اتباع الكتاب والسنة . كطريق النصارى فهم تارة يعبدون غير الله وتارة يعبدون بغير أمر الله . كالنصارى المشركين الذين اتخذوا أحبارهم [ ص: 509 ] ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وابتدعوا الرهبانية فأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله .
قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا .
والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة ولهذا كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول في دعائه : " اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا " .
وأما " الحقيقة الدينية " وهي تحقيق ما شرعه الله ورسوله مثل الإخلاص لله والتوكل على الله والخوف من الله والشكر لله والصبر لحكم الله والحب لله ورسوله والبغض في الله ورسوله ونحو ذلك مما يحبه الله ورسوله .
فهذا حقائق أهل الإيمان وطريق أهل العرفان .
[ ص: 510 ] فصل nindex.php?page=treesubj&link=24661والأمر بالمعروف وهو الحق الذي بعث الله به رسوله .
nindex.php?page=treesubj&link=24661والنهي عن المنكر وهو ما خالف ذلك من أنواع البدع والفجور بل هو من أعظم الواجبات وأفضل الطاعات ; بل هو طريق أئمة الدين ومشايخ الدين نقتدي بهم فيه .
فصل وأما nindex.php?page=treesubj&link=29538لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشايخ المريدين : فهذه ليس لها أصل يدل عليها الدلالة المعتبرة من جهة الكتاب والسنة ولا كان المشايخ المتقدمون وأكثر المتأخرين يلبسونها المريدين .
ولكن طائفة من [ ص: 511 ] المتأخرين رأوا ذلك واستحبوه وقد استدل بعضهم بأن { nindex.php?page=hadith&LINKID=68483النبي صلى الله عليه وسلم ألبس nindex.php?page=showalam&ids=11696أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ثوبا وقال لها : سنا } والسنا بلسان الحبشة الحسن .
وكانت قد ولدت بأرض الحبشة فلهذا خاطبها بذلك اللسان واستدلوا أيضا بحديث { البردة التي نسجتها امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله إياها بعض الصحابة فأعطاه إياها وقال : أردت أن تكون كفنا لي } .
وليس في هذين الحديثين دليل على الوجه الذي يفعلونه .
فإن إعطاء الرجل لغيره ما يلبسه كإعطائه إياه ما ينفعه nindex.php?page=treesubj&link=29538وأخذ ثوب من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه البركة كأخذ شعره على وجه البركة وليس هذا كلباس ثوب أو قلنسوة على وجه المتابعة والاقتداء ; ولكن [ يشبه ] من بعض الوجوه خلع الملوك [ التي ] يخلعونها على من يولونه كأنها شعار وعلامة على الولاية والكرامة ; ولهذا يسمونها تشريفا .
وهذا ونحوه غايته أن يجعل من جنس المباحات ; فإن اقترن به نية صالحة كان حسنا من هذه الجهة وأما جعل ذلك سنة وطريقا إلى الله سبحانه وتعالى فليس الأمر كذلك .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=29547انتساب الطائفة إلى شيخ معين : فلا ريب أن الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان والقرآن .
كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون ; وبذلك يحصل اتباع السابقين [ ص: 512 ] الأولين بإحسان فكما أن المرء له من يعلمه القرآن ونحوه فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر .
ولا يتعين ذلك في شخص معين ; ولا يحتاج الإنسان في ذلك أن ينتسب إلى شيخ معين كل من أفاد غيره إفادة دينية هو شيخه فيها ; وكل ميت وصل إلى الإنسان من أقواله وأعماله وآثاره ما انتفع به في دينه فهو شيخه من هذه الجهة ; فسلف الأمة شيوخ الخلفاء قرنا بعد قرن ; وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك ; بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم ولا يخص أحدا بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه فيقدم من قدم الله تعالى ورسوله عليه ويفضل من فضله الله ورسوله قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30997لا فضل لعربي على عجمي ; ولا لعجمي على عربي ; ولا أسود على أبيض ; ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى } .
[ ص: 513 ] فصل وأما nindex.php?page=treesubj&link=29547قول القائل : أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة .
فهذه بدعة منكرة من جهة أنه جعل نفسه لغير الله ومن جهة أن قوله : شيخك في الدنيا والآخرة كلام لا حقيقة له فإنه إن أراد أنه يكون معه في الجنة فهذا إلى الله لا إليه وإن أراد أنه يشفع فيه فلا يشفع أحد لأحد إلا بإذن الله تعالى إن أذن له أن يشفع فيه وإلا لم يشفع ; وليس بقوله : أنت شيخي في الآخرة يكون شافعا له - هذا إن كان الشيخ ممن له شفاعة - فقد تقدم أن سيد المرسلين والخلق لا يشفع حتى يأذن الله له في الشفاعة بعد امتناع غيره منها .
وكم من مدع للمشيخة وفيه نقص من العلم والإيمان ما لا يعلمه إلا الله تعالى .
لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=53825يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة } ومن أمكنه الهدى من غير انتساب إلى شيخ معين فلا حاجة به إلى ذلك ولا يستحب له ذلك بل يكره له .
وأما إن كان لا يمكنه أن يعبد الله بما أمره إلا بذلك مثل أن يكون في مكان يضعف فيه الهدى والعلم والإيمان والدين يعلمونه ويؤدبونه لا يبذلون له ذلك إلا بانتساب إلى شيخهم أو يكون انتسابه إلى شيخ يزيد في دينه وعلمه فإنه يفعل الأصلح لدينه .
وهذا لا يكون في الغالب إلا لتفريطه وإلا فلو طلب الهدى على وجهه لوجده .
فأما الانتساب الذي يفرق بين المسلمين وفيه خروج عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة وسلوك طريق الابتداع ومفارقة السنة والاتباع فهذا مما ينهى عنه ويأثم فاعله ويخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 515 ] فصل وأما nindex.php?page=treesubj&link=29553قول القائل : إن الله يرضى لرضا المشايخ ويغضب لغضبهم .
فهذا الحكم ليس هو لجميع المشايخ ولا مختص بالمشايخ بل كل من كان موافقا لله : يرضى ما يرضاه الله ويسخط ما يسخط الله كان الله يرضى لرضاه ويغضب لغضبه من المشايخ وغيرهم ومن لم يكن كذلك من المشايخ لم يكن من أهل هذه الصفة .
ومنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=597208قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان قد جرى بينه وبين صهيب وخباب وبلال وغيرهم كلام في أبي سفيان بن حرب ; فإنه مر بهم فقالوا : ما أخذت السيوف من عدو الله مأخذها .
فقال أتقولون هذا لكبير قريش ؟ ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : لعلك أغضبتهم يا أبا بكر لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك أو كما قال .
قال : فخرج عليهم أبو بكر فقال لهم : يا إخواني أغضبتكم ؟ قالوا : لا يغفر الله لك يا أبا بكر } .
فهؤلاء كان غضبهم لله .
وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11251يقول [ ص: 516 ] الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به .
وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } .
فهذا المؤمن الذي تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض أحبه الله لأنه فعل ما أحبه الله والجزاء من جنس العمل .
قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119رضي الله عنهم ورضوا عنه } وفي الحقيقة فالعبد الذي يرضى الله لرضاه ويغضب لغضبه هو يرضى لرضا الله ويغضب لغضب الله وليكن هذان مثالان : فمن nindex.php?page=treesubj&link=28683أحب ما أحب الله وأبغض ما أبغض الله ورضي ما رضي الله لما يرضي الله ويغضب لما يغضب ; لكن هذا لا يكون للبشر على سبيل الدوام بل لا بد لأكمل الخلق أن يغضب أحيانا غضب البشر ويرضى رضا البشر .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=597209 : اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة } [ ص: 517 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك في قضية معينة لكون غضبه لأجل أبي سفيان وهم كانوا يغضبون لله وإلا فأبو بكر أفضل من ذلك وبالجملة فالشيوخ والملوك وغيرهم إذا أمروا بطاعة الله ورسوله أطيعوا وإن أمروا بخلاف ذلك لم يطاعوا ; فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وليس أحد معصوما إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا في الشيخ الذي ثبت معرفته بالدين وعمله به .
وأما من كان مبتدعا بدعة ظاهرة أو فاجرا فجورا ظاهرا .
فهذا إلى أن تنكر عليه بدعته وفجوره أحوج منه إلى أن يطاع فيما يأمر به ; لكن إن أمر هو أو غيره بما أمر الله به ورسوله وجبت طاعة الله ورسوله فإن طاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد في كل حال ; ولو كان الآمر بها كائنا من كان .
فصل وأما nindex.php?page=treesubj&link=28683_18270قوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=59735المرء مع من أحب } " فهو من أصح الأحاديث .
وقال أنس : فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام فرحهم بهذا الحديث فأنا أحب رسول الله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أحشر [ ص: 518 ] معهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم .
وكذلك " { nindex.php?page=hadith&LINKID=8756أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله } " لكن هذا بحيث أن يحب المرء ما يحبه الله ومن يحب الله فيحب أنبياء الله كلهم ; لأن الله يحبهم ويحب كل من علم أنه مات على الإيمان والتقوى فإن هؤلاء أولياء الله والله يحبهم كالذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وغيرهم من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان .
فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة وأما من لم يشهد له بالجنة .
فقد قال طائفة من أهل العلم : لا نشهد له بالجنة ولا نشهد أن الله يحبه وقال طائفة : بل من استفشى من بين الناس إيمانه وتقواه واتفق المسلمون على الثناء عليه nindex.php?page=showalam&ids=16673كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض nindex.php?page=showalam&ids=12032وأبي سليمان الداراني nindex.php?page=showalam&ids=17117ومعروف الكرخي وعبد الله بن المبارك - رضي الله عنهم - وغيرهم .
شهدنا لهم بالجنة ; لأن في الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=597210أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال : وجبت وجبت ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا .
فقال : وجبت وجبت .
قالوا : يا رسول الله ما قولك : وجبت وجبت ؟ قال : هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت : وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار .
قيل : [ ص: 519 ] بم يا رسول الله ؟ قال : بالثناء الحسن والثناء السيئ } .
وإذا علم هذا فكثير من المشهورين بالمشيخة في هذه الأزمان قد يكون فيهم من الجهل والضلال والمعاصي والذنوب ما يمنع شهادة الناس لهم بذلك بل قد يكون فيهم المنافق والفاسق كما أن فيهم من هو من أولياء الله المتقين وعباد الله الصالحين وحزب الله المفلحين كما أن غير المشايخ فيهم هؤلاء وهؤلاء في الجنة والتجار والفلاحون وغيرهم من [ هذه ] الأصناف .
إذا كان كذلك فمن nindex.php?page=treesubj&link=29553_28683طلب أن يحشر مع شيخ لم يعلم عاقبته كان ضالا ; بل عليه أن يأخذ بما يعلم ; فيطلب أن يحشره الله مع نبيه والصالحين من عباده .
ومعلوم أن الشيوخ المخالفين للكتاب والسنة أهل الضلال والجهالة فمن كان معهم كان مصيره مصير أهل الضلال والجهالة وأما من كان من أولياء الله المتقين : كأبي بكر وعمر وعثمان [ ص: 520 ] وعلي وغيرهم ; فمحبة هؤلاء من أوثق عرى الإيمان ; وأعظم حسنات المتقين .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=28683_27349أحب الرجل لما ظهر له من الخير الذي يحبه الله ورسوله أثابه الله على محبة ما يحبه الله ورسوله وإن لم يعلم حقيقة باطنه فإن الأصل هو حب الله وحب ما يحبه الله فمن أحب الله وأحب ما يحبه الله كان من أولياء الله .
وكثير من الناس يدعي المحبة من غير تحقيق قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } قال بعض السلف : ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيما فمن كان أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله .
وأما من nindex.php?page=treesubj&link=28683_27349أحب شخصا لهواه مثل أن يحبه لدنيا يصيبها منه أو لحاجة يقوم له بها أو لمال يتآكله به .
أو بعصبية فيه .
ونحو ذلك من الأشياء فهذه ليست محبة لله ; بل هذه محبة لهوى النفس وهذه المحبة هي التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان .
وما أكثر من يدعي حب مشايخ لله ولو كان يحبهم لله لأطاع الله الذي [ ص: 521 ] أحبهم لأجله فإن المحبوب لأجل غيره تكون محبته تابعة لمحبة ذلك الغير .
وكيف يحب شخصا لله من لا يكون محبا لله وكيف يكون محبا لله من يكون معرضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل الله .
وما أكثر من يحب شيوخا أو ملوكا أو غيرهم فيتخذهم أندادا يحبهم كحب الله .
nindex.php?page=treesubj&link=28683والفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله ظاهر فأهل الشرك يتخذون أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله وأهل الإيمان يحبون ذلك ; لأن أهل الإيمان أصل حبهم هو حب الله ومن أحب الله أحب من يحبه ومن أحبه الله فمحبوب المحبوب محبوب ومحبوب الله يحب الله فمن أحب الله فيحبه من أحب الله .
والله سبحانه أرسل الرسل بأنه لا إله إلا هو فتخلو القلوب عن محبة ما سواه [ بمحبته وعن رجاء ما سواه ] برجائه وعن سؤال ما سواه بسؤاله وعن العمل لما سواه بالعمل له وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به ; ولهذا كان وسط الفاتحة { nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين } قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597212يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين } قال : الله حمدني عبدي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=11495المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه } - وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=34937 : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } .
وقال عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=24997لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا } .
ومما يبين الحب لله والحب لغير الله : أن أبا بكر كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم مخلصا لله وأبو طالب عمه كان يحبه وينصره لهواه لا لله .
كما nindex.php?page=treesubj&link=28808_29431يقول بعضهم : إذا كانت [ ص: 527 ] لك حاجة استوصي الشيخ فلان فإنك تجده أو توجه إلى ضريحه خطوات وناده يا شيخ يقضي حاجتك وهذا غلط لا يحل فعله وإن كان من هؤلاء الداعين لغير الله من يرى صورة المدعو أحيانا فذلك شيطان تمثل له .
كما وقع مثل هذا لعدد كثير .
ونظير هذا nindex.php?page=treesubj&link=28808_29553قول بعض الجهال من أتباع الشيخ عدي وغيره كل رزق لا يجيء على يد الشيخ لا أريده .
والعجب من ذي عقل سليم يستوصي من هو ميت يستغيث به ولا يستغيث بالحي الذي لا يموت ويقوى الوهم عنده أنه لولا استغاثته بالشيخ الميت لما قضيت حاجته .
فهذا حرام فعله .
ويقول أحدهم إذا كانت لك حاجة إلى ملك توسلت إليه بأعوانه فهكذا يتوسل إليه بالشيوخ .
وهذا كلام أهل الشرك والضلال فإن الملك لا يعلم حوائج رعيته ولا يقدر على قضائها وحده ولا يريد ذلك إلا لغرض يحصل له بسبب ذلك والله أعلم بكل شيء يعلم السر وأخفى وهو على كل شيء قدير .
فالأسباب منه وإليه وما من سبب من الأسباب إلا دائر موقوف على أسباب أخرى وله معارضات .
فالنار لا تحرق إلا إذا كان المحل قابلا فلا تحرق السمندل وإذا شاء الله منع أثرها كما فعل بإبراهيم عليه السلام .
[ ص: 528 ] وأما مشيئة الرب فلا تحتاج إلى غيره ولا مانع لها بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
{ nindex.php?page=hadith&LINKID=597213قال له nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال : من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله } " .
وأما الذين يتوكلون على فلان ليشفع لهم من دون الله تعالى ويتعلقون بفلان فهؤلاء من جنس المشركين الذين اتخذوا شفعاء من دون الله تعالى .
قال طائفة من السلف : كان قوم يدعون المسيح والعزير والملائكة فبين الله تعالى أن هؤلاء الملائكة والأنبياء عباده كما أن هؤلاء عباده وهؤلاء يتقربون إلى الله وهؤلاء يرجون رحمة الله وهؤلاء يخافون عذاب الله .
فالمشركون اتخذوا مع الله أندادا يحبونهم كحب الله ; واتخذوا شفعاء يشفعون لهم عند الله ففيهم محبة لهم وإشراك بهم وفيهم من جنس ما في النصارى من حب المسيح وإشراك به ; والمؤمنون أشد حبا لله : فلا يعبدون إلا الله وحده ولا يجعلون معه شيئا يحبونه كمحبته لا أنبيائه ولا غيرهم ; بل أحبوا ما أحبه بمحبتهم لله ; وأخلصوا دينهم لله وعلموا أن أحدا لا يشفع لهم إلا بإذن الله ; فأحبوا عبد الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لحب الله وعلموا أنه عبد الله المبلغ عن الله فأطاعوه فيما أمر وصدقوه فيما أخبر ولم يرجوا إلا الله ; ولم يخافوا إلا الله ولم يسألوا إلا الله وشفاعته لمن يشفع له هو بإذن الله فلا ينفع رجاؤنا للشفيع ولا مخافتنا له وإنما ينفع توحيدنا وإخلاصنا لله وتوكلنا عليه فهو الذي يأذن للشفيع فعلى المسلم أن يفرق بين محبة المؤمنين ودينهم ومحبة النصارى [ ص: 530 ] والمشركين ودينهم ويتبع أهل التوحيد والإيمان .
ويخرج عن مشابهة المشركين وعبدة الصلبان .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=597214 : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار } .