الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1875 باب الصوم والفطر في سفر

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب جواز الصوم والفطر، في شهر رمضان، للمسافر في غير معصية، إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر: أن يصوم. ولمن يشق عليه: أن يفطر ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 231 - 232 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ (عسفان ). ثم دعا بإناء فيه شراب، فشربه نهارا ليراه الناس. ثم أفطر حتى دخل مكة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفطر، فمن شاء صام. ومن شاء أفطر. ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ). وفي رواية أخرى: ( خرج عام الفتح في رمضان ). ( فصام حتى بلغ عسفان ). وفي أخرى: ( الكديد ).

                                                                                                                              وهي عين جارية، بينها وبين المدينة: سبع مراحل أو نحوها.

                                                                                                                              وبينها وبين مكة: قريب من مرحلتين ؛ [ ص: 72 ] وهي أقرب إلى المدينة من ( عسفان ).

                                                                                                                              قال عياض : ( الكديد ): عين جارية، على اثنين وأربعين ميلا من مكة.

                                                                                                                              قال: (وعسفان ): قرية جامعة بها ( منبر )، على ستة وثلاثين ميلا من مكة.

                                                                                                                              قال: والكديد: ما بينها وبين قديد.

                                                                                                                              وفي الحديث الآخر: ( حتى بلغ كراع الغميم ).

                                                                                                                              قال: وهذا كله في سفر واحد، في (غزاة الفتح ).

                                                                                                                              قال: وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها، وإن كانت عسفان ) متباعدة شيئا عن هذه المواضع.

                                                                                                                              لكنها كلها مضافة إليها ومن عملها. فاشتمل اسم ( عسفان ) عليها.

                                                                                                                              قال: وقد يكون علم حال الناس ومشقتهم في بعضها فأفطر، وأمرهم بالفطر في بعضها. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وهو كما قال، إلا في ( عسفان ) فإن المشهور: أنها على أربعة (برد ) من مكة. وكل (بريد ): أربعة فراسخ. وكل ( فرسخ ): ثلاثة أميال. فالجملة: ثمانية وأربعون ميلا.

                                                                                                                              [ ص: 73 ] هذا هو الصواب، الذي قاله الجمهور.

                                                                                                                              ثم دعا بإناء فيه شراب، فشربه نهارا ليراه الناس. ثم أفطر حتى دخل مكة ).

                                                                                                                              فيه: دليل لمذهب الجمهور، أن الصوم والفطر جائزان.

                                                                                                                              وفيه: أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض. ولا يلزمه بصوم بعضه إ.

                                                                                                                              (قال ابن عباس "رضي الله عنهما": فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر. " فمن " شاء صام ومن شاء أفطر ).

                                                                                                                              قال النووي : اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر.

                                                                                                                              فقال بعض أهل الظاهر: لا يصح صوم رمضان في السفر، فإن صامه لم ينعقد، ويجب قضاؤه ؛ لظاهر الآية، ولحديث: " ليس من البر الصيام في السفر".

                                                                                                                              وفي الحديث الآخر: " أولئك العصاة". وقال جماهير العلماء، وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه في السفر ؛وينعقد ويجزئه.

                                                                                                                              [ ص: 74 ] واختلفوا في أن الصوم أفضل، أم الفطر ؟ أم هما سواء ؟

                                                                                                                              فقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، والأكثرون: الصوم أفضل، لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر. فإن تضرر به، فالفطر أفضل واحتجوا: بصوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعبد الله بن رواحة، وغيرهما، وبغير ذلك من الأحاديث.

                                                                                                                              ولأنه يحصل به براءة الذمة في الحال.

                                                                                                                              وقال سعيد بن المسيب، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم: الفطر أفضل مطلقا.

                                                                                                                              وحكاه بعض أصحابنا قولا للشافعي. وهو غريب.

                                                                                                                              واحتجوا عما سبق لأهل الظاهر، وبحديث حمزة بن عمرو الأسلمي، المذكور في مسلم في آخر الباب. وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "هي رخصة من الله، فمن أخذ بها حسن. ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ".

                                                                                                                              وظاهره: ترجيح الفطر.

                                                                                                                              وأجاب الأكثرون: بأن هذا كله فيمن يخاف ضررا، أو يجد مشقة، كما هو صريح في الأحاديث.

                                                                                                                              واعتمدوا حديث أبي سعيد الخدري، المذكور في الباب: [ ص: 75 ] ( قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر. فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. يرون أن من وجد قوة فصام، فإن ذلك حسن. ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر، فإن ذلك حسن ).

                                                                                                                              وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين. وهو تفضيل الصوم، لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة.

                                                                                                                              وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء، لتعادل الأحاديث. والصحيح: قول الأكثرين والله أعلم.

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي رحمه الله.

                                                                                                                              قال العلامة الشوكاني في (وبل الغمام ): حديث حمزة الأسلمي، فيه دليل على تفويض الفطر في الصوم وعدمه: إلى المسافر.

                                                                                                                              ومن حمله على صوم التطوع فلم يصب. فإن عند أبي داود، والحاكم وصححه، أنه قال: ( ربما صادفني هذا الشهر، يعني: "رمضان" ).

                                                                                                                              وأما حديث: " أولئك العصاة "، فذلك لأنه صلى الله عليه وآله وسلم: قد كان أمرهم بالإفطار في ذلك اليوم بخصوصه.

                                                                                                                              فسماهم: عصاة، لمخالفة أمره. لا لمجرد الصوم في السفر.

                                                                                                                              وأما حديث: "ليس من البر الصيام في السفر"، وهو متفق عليه، ففي رواية زادها النسائي، في هذا الحديث: "عليكم برخص الله، التي رخص لكم، فاقبلوا ".

                                                                                                                              [ ص: 76 ] فالتصريح بالرخصة: مشعر بأن الصوم ( عزيمة ). وهو المطلوب.

                                                                                                                              وأما ما روي بلفظ: " الصائم في السفر، كالمفطر في الحضر " ؛ فقد صحح جماعة من الحفاظ وقفه على عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه.

                                                                                                                              ولا حجة في ذلك. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية