الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 296 ] 121 - ( باب بيان مشكل ) ما روي عنه عليه السلام فيمن حلف بغير الله تعالى ما حكمه في ذلك ؟

825 - حدثنا بكار ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن { سعد بن عبيدة قال : كنت جالسا مع ابن عمر فسمع رجلا يقول : كلا وأبي ، فقال : كان عمر يحلف بها ، فقال النبي عليه السلام : إنها شرك فلا تحلف بها } .

[ ص: 297 ]

826 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن عمر ، عن عمر قال : لا وأبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من حلف بشيء دون الله فقد أشرك } .

فكان في هذا الحديث عن رسول الله عليه السلام أن من حلف بشيء دون الله فقد أشرك .

فكان ذلك عندنا ، والله أعلم ، لم يرد به الشرك الذي يخرج به من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجا من الإسلام ، ولكنه أريد أن لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى ، وكان من حلف بغير الله فقد جعل ما حلف به كما الله تعالى محلوفا به ، وكان بذلك قد جعل من حلف به أو ما حلف به شريكا فيما يحلف به وذلك عظيم ، فجعل مشركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا بالله تعالى ، [ ص: 298 ] خارجا من الإسلام .

ومثل ذلك ما قد روي عنه في الطيرة .

827 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عيسى بن عاصم الأسدي ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الطيرة شرك ، وما منا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل } .

[ ص: 299 ]

828 - وكما حدثنا يزيد ، حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، حدثنا شعبة ، عن سلمة ، عن عيسى رجل من بني أسد ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

829 - وكما حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير وروح بن عبادة قالا : حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : { وما منا إلا ولكن الله عز وجل يذهبه بالتوكل } .

فلم يكن المراد بذلك الشرك : الكفر بالله تعالى ، ولكن كان المراد به أن شيئا تولى الله عز وجل فعله ، قيل فيه : إن شئت فعله كان كذا مما يتطير به .

فمثل ذلك الشرك المذكور في الحديث الأول هو من جنس هذا الشرك لا من الشرك بالله تعالى الذي يوجب الكفر به .

ثم تأملنا حديث ابن عمر الذي قد رويناه في هذا الباب من حديثي الأعمش وسعيد بن مرزوق ، عن سعد بن عبيدة فوجدناه فاسد الإسناد وذلك :

830 - لأن ابن مرزوق قال : حدثنا وهب ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن { سعد بن عبيدة قال : كنت عند ابن عمر فقمت وتركت عنده رجلا من كندة فأتيت سعيد بن المسيب فجاء فزعا فقال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : [ ص: 300 ] له : أحلف بالكعبة ؟ فقال : لا ولكن احلف برب الكعبة ، فإن عمر كان يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحلفوا بآبائكم فمن حلف بغير الله فقد أشرك } .

831 - وأن يزيد بن سنان ، حدثنا قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن { سعد بن عبيدة قال : كنت أنا وصاحب لي من كندة جلوسا عند ابن عمر ، فقمت فجلست إلى ابن المسيب فأتاني صاحبي فقال : قم إلي ، وقد تغير لونه واصفر وجهه ، فقلت له : أليس إنما فارقتك قبيل ، قال سعيد : قم إلى صاحبك ، فقمت إليه فقال : ألم تر إلى ما قال ابن عمر ؟ فقلت : وما قال ؟ قال : أتاه رجل فقال : أحلف بالكعبة ؟ قال : لا ولم تحلف بالكعبة ؟ احلف برب الكعبة فإن عمر حلف بأبيه عند النبي عليه السلام فقال له : لا تحلف بأبيك فإنه من حلف بغير الله فقد أشرك } .

فوقفنا على أن منصور بن المعتمر قد زاد في إسناد هذا الحديث على الأعمش وعلى سعيد بن مسروق ، عن سعد بن عبيدة رجلا مجهولا بينه وبين ابن عمر في هذا الحديث ، ففسد بذلك إسناده غير أنا قد ذكرنا في تأويله ما إن صح كان تأويله الذي تأولناه عليه ما ذكرناه فيه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية