الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  [ ص: 103 ] ما يراعى من أحوال المرأة :

                                                                  الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد وتتوفر مقاصده ثمان : الدين ، والخلق ، والحسن ، وخفة المهر ، والولادة والبكارة ، والنسب ، وأن لا تكون قرابة قريبة .

                                                                  الأولى : أن تكون صالحة ذات دين فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء ، فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها وسودت بين الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه وتنغص بذلك عيشه ، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة .

                                                                  وإن كانت فاسدة الدين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشا معه ، فإن سكت ولم ينكره كان شريكا في المعصية مخالفا لقوله تعالى : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) [ التحريم : 6 ] وإن أنكر وخاصم تنغص العمر ، ولهذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريض على ذات الدين فقال : تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها ، فعليك بذات الدين تربت يداك .

                                                                  الثانية : حسن الخلق فإنها إذا كانت سليطة بذيئة اللسان كافرة للنعم كان الضرر منها أكثر من النفع ، والصبر على لسان النساء مما يمتحن به الأولياء .

                                                                  الثالثة : حسن الوجه فذلك أيضا مطلوب إذ به يحصل التحصن ، والطبع لا يكتفي بالدميمة غالبا ، وما نقلناه من الحث على الدين ليس زجرا عن رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين ، فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين ، ويدل على الالتفات إلى معنى الجمال أن الإلف والمودة تحصلا به غالبا ، وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة ولذلك استحب النظر فقال : إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما أي يؤلف بينهما .

                                                                  وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلا بعد النظر احترازا من الغرور ، وقال " الأعمش " : " كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم " .

                                                                  وروي أن رجلا تزوج على عهد " عمر " رضي الله عنه وكان قد خضب فنصل خضابه فاستعدى عليه أهل المرأة إلى " عمر " وقالوا : " حسبناه شابا " فأوجعه " عمر " ضربا وقال : " غررت القوم " ، والغرور يقع في الجمال [ ص: 104 ] والخلق جميعا فيستحب إزالة الغرور في الجمال بالنظر ، وفي الخلق بالوصف والاستيصاف ، ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن لا يميل إليها فيفرط في الثناء ، ولا يحسدها فيقصر . وقل من يصدق فيه بل الخداع والإغراء أغلب والاحتياط فيه مهم .

                                                                  الرابعة : أن تكون خفيفة المهر فقد نهي عن المغالاة في المهر .

                                                                  وتزوج بعض الصحابة على نواة من ذهب يقال قيمتها خمسة دراهم .

                                                                  وزوج " سعيد بن المسيب " ابنته من " أبي هريرة " رضي الله عنه على درهمين ثم حملها هو إليه ليلا فأدخلها من الباب ثم انصرف ، ثم جاءها بعد سبعة أيام فسلم عليها .

                                                                  وفي خبر : من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها أي الولادة ويسر مهرها وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل ، ولا ينبغي أن ينكح طمعا في المال ، وإذا أهدى إليهم فلا ينبغي أن يهدي ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه ، وكذلك إذا أهدوا إليه فنية طلب الزيادة نية فاسدة وداخل في قوله تعالى : ( ولا تمنن تستكثر ) [ المدثر : 6 ] أي تعطي لتطلب أكثر .

                                                                  الخامسة : أن تكون المرأة ولودا فإن عرفت بالعقر فليمتنع عن تزويجها .

                                                                  السادسة : أن تكون بكرا ، قال عليه السلام " لجابر " وقد نكح ثيبا " هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك " .

                                                                  السابعة : أن تكون نسيبة ، أعني أن تكون من أهل بيت الدين والصلاح فإنها ستربي بناتها وبنيها ، فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية ، وفي خبر تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع .

                                                                  الثامنة : أن لا تكون من القرابة القريبة فإن ذلك يقلل الشهوة .

                                                                  فهذه هي الخصال المرغبة في النساء .

                                                                  ويجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا يزوجها ممن ساء [ ص: 105 ] خلقه أو خلقه أو ضعف دينه أو قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها ، ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جنى على دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار .

                                                                  قال رجل للحسن : " قد خطب ابنتي جماعة فممن أزوجها ؟ قال : ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية