الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 150 ] باب زكاة الذهب والفضة

وتجب في مضروبهما وتبرهما وحليهما وآنيتهما نوى التجارة أو لم ينو إذا كان ذلك نصابا ، ويضم أحدهما إلى الآخر بالقيمة ( سم ) ، ونصاب الذهب عشرون مثقالا وفيها نصف مثقال ، ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان ( سم ) . ونصاب الفضة مائتا درهم ، وفيها خمسة دراهم ، ثم في كل أربعين درهما درهم ، وتعتبر فيهما الغلبة ، فإن كانت للغش فهي عروض ، وإن كانت للفضة فهي فضة ، وكذلك الذهب ، والمعتبر في الدراهم كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ولا زكاة في العروض إلا أن تكون للتجارة ، وتبلغ قيمتها نصابا من أحد النقدين وتضم قيمتها إليهما .

[ ص: 150 ]

التالي السابق


[ ص: 150 ] باب زكاة الذهب والفضة

( وتجب في مضروبهما وتبرهما وحليهما وآنيتهما نوى التجارة أو لم ينو إذا كان ذلك نصابا ) قال الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) الآية . علق الوجوب باسم الذهب والفضة وأنه موجود في جميع ما ذكرنا ؛ لأن المراد بالكنز عدم إخراج الزكاة لحديث جابر وابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - : " كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا ، وما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا " وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : كنت ألبس أوضاحا من الذهب فقلت : يا رسول الله ، أكنز هي ؟ فقال : " إن أديت زكاته فليس بكنز " فيصير تقدير الآية : والذين لا يؤدون زكاة الذهب والفضة فبشرهم بعذاب أليم .

ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأتين عليهما سواران من ذهب ، فقال : " أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار ؟ " قالتا : لا ، قال : " فأديا زكاتهما " ألحق الوعيد الشديد بترك أداء الزكاة وأنه دليل الوجوب .

قال : ( ويضم أحدهما إلى الآخر ) لأنهما متحدان في معنى المالية والثمنية والزكاة تعلقت بهما باعتبار المالية والثمنية فيضم نظرا للفقراء ، بخلاف السوائم لأن الزكاة تعلقت بها باعتبار العين والصورة ، وهي أجناس مختلفة ; ثم عند أبي حنيفة يضم أحدهما إلى الآخر ( بالقيمة ) وعندهما بالأجزاء . وصورته من له عشرة مثاقيل ذهب وإناء فضة أقل من مائة درهم قيمته عشرة مثاقيل تجب الزكاة عنده خلافا لهما ؛ لأن المعتبر فيهما القدر لأنه المنصوص عليها . وله أن الضم باعتبار المجانسة ، والمجانسة بالقيمة ، فإذا تمت القيمة نصابا من أحدهما وجد السبب .

[ ص: 151 ] قال : ( ونصاب الذهب عشرون مثقالا وفيه نصف مثقال ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يا علي ليس عليك في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالا ، فإذا بلغ ففيها نصف مثقال " .

قال : ( ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان ونصاب الفضة مائتا درهم ، وفيها خمسة دراهم ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - في حديث عمرو بن حزم : " ليس في الرقة صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم " .

قال : ( ثم في كل أربعين درهما درهم ) وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا : ما زاد على النصاب منهما فالزكاة بحسابه ، حتى يجب عندهما في الدرهم الزائد على المائتين جزء من أربعين جزءا من درهم ، وكذلك القيراط الزائد على العشرين دينارا ، بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " في مائتي درهم خمسة دراهم ، وما زاد فبحساب ذلك " رواه علي - رضي الله عنه - .

ولأبي حنيفة قوله - عليه الصلاة والسلام - في حديث عمرو بن حزم : " وفي مائتي درهم خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم " ولم يرد به الابتداء ، فيكون المراد ما بعد المائتين ، ولأنه نصاب له عفو في الابتداء ، فكذا في الانتهاء كالسائمة ، ولأنه يفضي إلى الحرج بحساب ربع عشر الذرة والحبة والدانق والدرهم وغير ذلك ، والحرج مدفوع .

قال : ( وتعتبر فيهما الغلبة ، فإن كانت للغش فهي عروض ، وإن كانت للفضة فهي فضة ، وكذلك الذهب ) لأن ذلك لا ينطبع إلا بقليل الغش ، فلا يخلو منه ويخلو عن كثيره ، فجعلنا الفاصل الغلبة ، وذلك بالزيادة على النصف ، فيجب في الزيوف والمبهرجة لأن الغالب عليها الغش إلا أن يبلغ ما فيها من الفضة نصابا أو تكون للتجارة ، وتبلغ قيمتها مائتي درهم ، فتجب حينئذ وإن [ ص: 152 ] تساويا لا تجب ؛ لأن الأصل عدم الوجوب ، وقد وقع الشك في السبب وهو النصاب فلا تجب ، بخلاف البيع على ما يأتي في الصرف ، ونظرا للمالك كما في السوم ، وسقي الأراضي سيحا ودالية على ما يأتي .

( والمعتبر في الدراهم كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ) والأصل في ذلك ما روي أن الدراهم كانت مختلفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . واعتبر عمر - رضي الله عنه - بعضها اثني عشر قيراطا ، وبعضها عشرة قراريط ، وبعضها عشرين قيراطا ، وكان الناس يختلفون في معاملتهم ، فشاور عمر الصحابة - رضي الله عنهم - فقال بعضهم : خذ من كل نوع ، فأخذ من كل درهم ثلثه فبلغ أربعة عشر قيراطا فجعله درهما ، فجاءت العشرة مائة وأربعين قيراطا ، وذلك سبعة مثاقيل ؛ لأن المثقال عشرون قيراطا .

قال : ( ولا زكاة في العروض إلا أن تكون للتجارة ، وتبلغ قيمتها نصابا من أحد النقدين وتضم قيمتها إليهما ) لأن الزكاة إنما تجب في مال نام زائد على الحوائج الأصلية . والنماء يكون إما بإعداد الله تعالى كالذهب والفضة ، فإنه تعالى أعدهما للنماء حيث خلقهما ثمن الأشياء في الأصل ، ولا يحتاج في التصرف فيهما والمعاملة بهما إلى التقويم والاستبدال ، وتتعلق الزكاة بعينه كيف كان أو يكون معدا بإعداد العبد ، وهو إما الإسامة أو نية التجارة ، فيتحقق النماء ظاهرا أو غالبا ، وليس في العروض نصاب مقدر لأنه لم يرد الشرع بذلك فيرجع إلى القيمة ، وإذا قومت بأحد النقدين صار المعتبر القيمة فتضم إلى التقدير لما مر وتقوم بأي النقدين شاء ؛ لأن الوجوب باعتبار المالية ، والتقويم يعرف المالية ، والنقدان في ذلك سواء فيخير . وعن أبي حنيفة : يقومها بما هو أنفع للفقراء ، وهو أن يبلغ نصابا نظرا لهم . وعن محمد : بغالب نقد البلد لأنه أسهل ، والله أعلم .




الخدمات العلمية