الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما علم من هذا إباحة ما يؤخذ من الأسر من الفداء، وكان ما يؤخذ منهم تعظم مشقته عليهم، أقبل عليهم مستعطفا لهم ترغيبا في الإسلام، فأقبل على نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمر بمخاطبتهم تنبيها على أنهم ليسوا بأهل لخطابه سبحانه بما أبعدوا أنفسهم عنه من اختيارهم الكون في زمرة الأعداء على الكون في عداد الأولياء، فقال معبرا بالوصف الناظر إلى تلقي العلم ترغيبا في التلقي منه صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي أي: الذي أنبئه بكل معنى جليل، يظهر دينه ويزكي أمته مع رفع مقداره وإتمام أنواره قل لمن في أيديكم أي: في أيدي أصحابك وأهل دينك، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب من الأسرى ترغيبا لهم فيما عند الله إن يعلم الله بما له من [ ص: 334 ] صفات الجلال والجمال في قلوبكم خيرا أي: شيئا من تقواه الحاملة على الإيمان الذي هو رأس الخير وعلى كل خير يؤتكم خيرا مما أخذ منكم أي: مما يفتح به عليكم من المغانم في الدنيا ويدخره لكم من الثواب في الأخرى ويغفر لكم أي: ما سلف من ذنوبكم والله أي: الذي بيده كل شيء غفور رحيم أي: من شأنه ذلك، والمعنى على ما علم من قصة العباس الآتية رضي الله عنه أنه سبحانه يعاملكم وأمثالكم في غير ما يأخذه منكم جنده بالكرم، وأما إنه يحكم بإسقاط الفداء عنكم ويأمرهم بتركه وإطلاقكم مجانا بما يعلم في قلوبكم من خير وإيمان كنتم تكتمونه فلا تطمعوا فيه؛ لأن ذلك يفتح باب الدعاوى الباطلة المانعة من الغنائم الموهنة للدين; قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في سيرته: قال ابن عباس وسعيد بن المسيب : "كان العباس رضي الله عنه في الأسرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: افد نفسك وابني أخيك عقيلا ونوفلا وخليتك؛ فإنك ذو مال، فقال: يا رسول الله! إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بإسلامك، إن كان حقا ما تقول فالله يجزيك به، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، قال: ليس لي مال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأين المال الذي وضعت عند أم الفضل حين خرجت وليس معك أحد؟ [ ص: 335 ] ثم قلت: إن أصبت في سفري هذا فأعطي الفضل كذا وعبد الله كذا! فقال: والذي بعثك بالحق! ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية وقال: تركتني أسأل الناس، وأسلم وأمر عقيلا فأسلم، ولم يسلم من الأسارى غيرهما".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية