الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (10) قوله تعالى : دعواهم : مبتدأ و " سبحانك " معمول لفعل مقدر لا يجوز إظهاره هو الخبر ، والخبر هنا هو نفس المبتدأ ، والمعنى : أن دعاءهم هذا اللفظ ، فـ " دعوى " يجوز أن يكون بمعنى الدعاء ، ويدل عليه " اللهم " لأنه نداء في معنى يا الله ، ويجوز أن يكون هذا الدعاء هنا بمعنى العبادة ، فـ " دعوى " مصدر مضاف للفاعل ، ثم إن شئت أن تجعل هذا من باب الإسناد اللفظي أي : دعاؤهم في الجنة هذا اللفظ ، فيكون نفس " سبحانك " هو الخبر ، وجاء به محكيا على نصبه بذلك الفعل ، وإن شئت جعلته من باب الإسناد المعنوي فلا يلزم أن يقولوا هذا اللفظ فقط ، بل يقولونه وما يؤدي معناه من جميع صفات التنزيه والتقديس ، وقد تقدم لك نظير هذا عند قوله تعالى : وقولوا حطة ، فعليك بالالتفات إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      و " تحيتهم " مبتدأ ، و " سلام " خبرها ، وهو كالذي قبله ، والمصدر هنا يحتمل أن يكون مضافا لفاعله أي : تحيتهم التي يحيون بها بعضهم سلام ، ويحتمل أن يكون مضافا لمفعوله أي : تحيتهم التي تحييهم بها الملائكة سلام ، ويدل له والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم . و " فيها " في الموضعين متعلق بالمصدر قبله ، و " قبل " يجوز أن يكون حالا مما بعده فيتعلق بمحذوف ، وليس بذاك . وقال بعضهم : " يجوز أن يكون " تحيتهم " مما أضيف فيه المصدر لفاعله ومفعوله معا ؛ لأن المعنى : يحيي [ ص: 156 ] بعضهم بعضا ، ويكون كقوله تعالى : وكنا لحكمهم شاهدين حيث أضافه لداود وسليمان وهما الحاكمان ، وإلى المحكوم عليه ، وهذا مبني على مسألة أخرى وهو أنه : هل يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أم لا ؟ فإن قلنا : نعم ، جاز ذلك لأن إضافة المصدر لفاعله حقيقة ولمفعوله مجاز ، ومن منع ذلك أجاب بأن أقل الجمع اثنان فلذلك قال : " لحكمهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وآخر دعواهم مبتدأ ، و " أن " هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن حذف ، والجملة الاسمية بعدها في محل الرفع خبرا لها كقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      2573 - في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل



                                                                                                                                                                                                                                      و "أن " واسمها وخبرها في محل رفع خبرا للمبتدأ الأول . وزعم الجرجاني أن " أن " هنا زائدة والتقدير : وآخر دعواهم الحمد لله ، وهي دعوى لا دليل عليها مخالفة لنص سيبويه والنحويين . وزعم المبرد أيضا أن " أن " المخففة يجوز إعمالها مخففة كهي مشددة ، وقد تقدم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وتخفيف " أن " ورفع " الحمد " هو قراءة العامة . وقرأ عكرمة وأبو مجلز وأبو حيوة وقتادة ومجاهد وابن يعمر وبلال بن أبي بردة وابن محيصن [ ص: 157 ] ويعقوب بتشديدها ونصب دال " الحمد " على أنه اسمها . وهذه تؤيد أنها المخففة في قراءة العامة ، وترد على الجرجاني .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية