الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                والكلام في الالتقاط ، وذات اللقطة ، وأحكامها ، فهذه ثلاثة فصول .

                                                                                                                ( الفصل الأول )

                                                                                                                ( في الالتقاط )

                                                                                                                في الجواهر : هو أخذ مال ضائع ليعرفه سنة ثم يتصدق به ، أو يتملكه إن لم [ ص: 89 ] يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر المالك ، قال اللخمي : وهو واجب ومستحب ومحرم ومكروه بحسب حال الملتقط والوقت وأهله ومقدار اللقطة ، فإن كان الواجد مأمونا ولا يخشى السلطان إذا نشدها . وهي بين قوم أمناء لا يخشى عليها منهم ، ولها قدر ، فأخذها وتعريفها مستحب ، وهذا صفة حال السائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : خذها ، ولأنها أحوط لصاحبها خوف أن يأخذها من ليس بمأمون ، ولا ينتهي إلى الوجوب ، لأنها بين قوم أمناء ، وبين غير الأمناء أخذه لها واجب لأن حرمة المال كحرمة النفس ، وصون النفس واجب ، فكذلك الأموال ، ( ولنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال ) وإن كان السلطان غير مأمون إذا نشدت أخذها ، أو الواجد غير أمين حرم أخذها لأنه تسبب لضياع مال المسلم ، وإن حقيرة كره أخذها ، لأن الغالب عدم المبالغة في تعريف الحقير ، وعدم الاحتفال به ، هذا أصل المسألة ، ثم اختلفت الرواية : فعن مالك : استحباب ترك الدنانير ، وقال ابن شعبان : ينبغي ترك اللقطة ، . كقول مالك في المدونة : أحسن حين رد الكساء ، وقوله في الآبق إن كان لمن لا يقربه : فلا يقربه ، ومحمله على أن السلطان غير مأمون ، وقال : لا أحب أخذ اللقطة إلا أن يكون لها قدر ، وإذا كان الدلو والحبل في الطريق وضع في أقرب المواضع يعرف فيه ، أو في مدينة انتفع به وعرفه ، وإن قصد به أحب إلي ، وإن جاء صاحبه أخذه . وفي الجواهر : إن علم خيانة نفسه حرم الأخذ ، أو خافها كره ، وروى أشهب الوجوب فيما له بال ، والكراهة في غير ذي البال كالدرهم ، وعن مالك : الكراهية مطلقا ، واختاره الشيخ أبو إسحاق في المقدمات .

                                                                                                                وفي لقطة المال ثلاثة أقوال : الأفضل : تركها من غير تفصيل ؛ لأن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان يمر باللقطة فلا يأخذها . الأفضل : أخذها لأنها وسيلة [ ص: 90 ] لحفظ المال الغير ، قاله مالك في أحد قوليه ، وماله بال أخذه أفضل ، وترك الحقير أولى ، قال : وهذا الاختلاف إذا كانت بين قوم مأمونين ، والإمام عدل ، أما بين خونة ولا يخشى من الإمام إذا عرفت فالأخذ واجب اتفاقا ، وبين خونة ويخشى من الإمام خير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه أي الخوفين أشد ، ويستثنى أيضا من هذا الاختلاف لقطة الحاج فلا يجري فيها الخلاف كله .

                                                                                                                قاعدة : خمس اجتمعت الأمة المحمدية على حفظها ، ووافقها في ذلك جميع الملل التي شرعها الله تعالى : النفس ، والعقل فتحرم المسكرات بجميع الشرائع ، وإنما اختلفت الشرائع في اليسير الذي لا يفسد العقل ، فحرمناه تحريم الوسائل ، وأباحه غيرنا لعدم المفسدة ، والأعراض ، فيحرم القذف والسباب . والأنساب ، فيحرم الزنا . والأموال ، فتحرم إضاعتها والسعي في ذلك بفعل أو ترك .

                                                                                                                قاعدة : وكل فعل واجب أو مندوب لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق وإزاحة الأذى عن الطريق ، فهي على الكفاية ، وما تتكرر مصلحته بتكرره فهو كالأعيان ، كالصلاة والصيام ، وقد تقدم بسط هذه القواعد في مقدمة هذا الديوان ، فعلى هذا يتجه الأخذ ووجوبه عند تعيين هلاك المال ، وعند عدم تعيين الهلاك بين الأمناء يكون فرضا على الكفاية إذا خافوا غيرهم على اللقطة ، ومندوبا في حق هذا المعين وخصوصه ، كما قلنا في صلاة الجنازة وغيرها ، وأصلها فرض . وفعل هذا المصلي المخصوص يندب ابتداء للشرع ، فإذا شرع اتصف بالوجوب كما تقدم بسطه ، وقياسا على الوديعة ، وفي اللقطة عن ( ش ) الندب والوجوب قياسا للأول على الوديعة . والثاني على الإنقاذ من غير تفصيل . وقال ( ح ) : أخذها مندوب إلا عند خوف الضياع فتجب ، وعن ابن حنبل : الكراهية لما في الالتقاط من تعريض نفسه لأكل الحرام ، وتضييع الواجب [ ص: 91 ] من التعريف ، فكان تركه أولى كتولي مال اليتيم ، وتخليل الخمر ، وقد ذم الله تعالى التسبب للـ ( . . . ) في التكليف ، وتوجه الوجوب بقوله تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) أي ظلوما لنفسه بتوريطها وتعريضها للعقاب ، وجهولا بالعواقب والحرام فيها ، والأمانة هاهنا : قال العلماء : هي التكاليف ، ولم أر أحدا فصل وقسم أخذ اللقطة إلى الأحكام الخمسة ، إلا أصحابنا بل كلهم أطلقوا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية