الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة

فمن الحوادث فيها:

أن الكواكب تناثرت كثيرا .

وفيها: إغارة الترك على المسلمين بناحية أرمينية ، وسبيهم منهم ومن أهل الذمة خلقا كثيرا ودخلوا بهم تفليس ، وقتلهم حرب بن عبد الله الذي تنسب إليه الحربية ببغداد ، وكان حرب مقيما بالموصل في ألفين من الجند ، لمكان الخوارج الذين بالجزيرة ، وكان أبو جعفر حين بلغه تحرك الترك هناك وجه إليهم جبريل بن يحيى ، وكتب إلى حرب يأمره بالمسير معه ، فسار معه ، فقتل وهزم جبريل وأصيب من ذكرنا .

وفيها: كان مهلك عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس . وكان السبب: أن أبا جعفر كان قد عزل عيسى بن موسى عن الكوفة وأرضها وولى مكانه محمد بن سليمان ، وأوفده إلى مدينة السلام ، فدعا به ، فدفع إليه عبد الله بن علي سرا في جوف الليل وقال له: يا عيسى ، إن هذا أراد أن يزيل النعمة عني وعنك ، وأنت ولي عهد بعد المهدي ، والخلافة صائرة إليك ، فخذه إليك واضرب عنقه ، وإياك أن تخور أو تضعف .

ثم كتب إليه: ما فعلت فيما أمرتك به؟ فكتب إليه: قد أنفذت ما أمرت به . فلم يشك أبو جعفر أنه قد قتل عبد الله بن علي ، وكان عيسى حين أخذ عبد الله بن علي قد ستره ، ودعا كاتبه يونس بن فروة فقال: إن هذا الرجل دفع إلي عمه فأمرني فيه بكذا [ ص: 103 ] وكذا . فقال: أراد أن يقتلك ويقتله ، أمرك بقتله سرا ، ثم يدعيه عليك علانية فيقيدك به .

قال: فما الرأي؟ قال: أن تستره في منزلك ولا تطلع على ذلك أحدا ، فإن طلبه منك علانية دفعته إليه علانية ، ولا تدفعه إليه سرا أبدا ، فإنه إن كان أسره إليك سيظهر ، ففعل ذلك عيسى .

وقدم المنصور ودس على عمومته من يحركهم على مسألته فيه هبة [ عبد الله بن علي لهم] ويطمعهم أنه سيفعل - يعني المنصور - فجاءوا إليه فكلموه ورققوه ، وأظهروا له الرقة ، وذكروا له الرحم . فقال المنصور : نعم علي بعيسى بن موسى . فأتى فقال: يا عيسى ، قد علمت أني دفعت إليك عمي وعمك عبد الله بن علي قبل خروجي [إلى] الحج ، وأمرتك أن يكون في منزلك . قال: قد فعلت ذلك . قال: وقد كلمني عمومتك فيه ، فرأيت الصفح وتخلية سبيله ، فأتنا به . فقال: يا أمير المؤمنين ، ألم تأمرني بقتله؟ فقال المنصور : ما أمرتك بقتله . فقال: يا أمير المؤمنين ، أنت أمرتني بقتله . فقال: كذبت ، ما أمرتك بقتله . ثم قال لعمومته: إن هذا قد أقر لكم بقتل أخيكم ، وادعى أني أمرته بذلك ، وقد كذب . قالوا: فادفعه إلينا نقيده . قال: شأنكم به . فأخرجوه إلى الرحبة ، واجتمع الناس ، واشتهر الأمر ، فقام أحدهم وشهر سيفه وتقدم إلى عيسى ليضربه ، فقال له عيسى: أقاتلي أنت؟ قال: إي والله . قال: لا تعجلوا ، ردوني إلى أمير المؤمنين . فردوه إليه . فقال: إنما أردت بقتله أن تقتلني ، هذا عمك حي سوي ، إن أمرتني بدفعه إليك دفعته . قال: ائتنا به . فقال له عيسى: دبرت علي أمرا فحسبته فكان كما حسبت ، فشأنك بعمك . فأمر به فجعل في بيت .

وتوفي عبد الله في هذه السنة في الحبس .

التالي السابق


الخدمات العلمية