الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا

                                                                                                                                                                                                ولا تقف : ولا تتبع، وقرئ : "ولا تقف"، يقال: قفا أثره وقافه، ومنه: القافة، يعني: ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل، كمن يتبع مسلكا لا يدري أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال، والمراد: النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم، ويدخل فيه النهي عن التقليد دخولا ظاهرا، لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده، وعن ابن الحنفية : شهادة الزور، وعن الحسن: لا تقف أخاك المسلم إذا مر بك، فتقول: هذا يفعل كذا، ورأيته يفعل، وسمعته، ولم تر ولم تسمع، وقيل: القفو شبيه بالعضيهة، ومنه الحديث: "من قفي مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج"; وأنشد [من الطويل]:

                                                                                                                                                                                                [ ص: 518 ]

                                                                                                                                                                                                ومثل الدمى شم العرانين ساكن ... بهن الحياء لا يشعن التقافيا

                                                                                                                                                                                                [ ص: 519 ] أي: التقاذف، وقال الكميت [من الوافر]:


                                                                                                                                                                                                ولا أرمي البري بغير ذنب ...     ولا أقفو الحواصن إن قفينا



                                                                                                                                                                                                وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح; لأن ذلك نوع من العلم، فقد أقام الشرع غالب الظن مقام العلم، وأمر بالعمل به، "أولئك": إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد، كقوله [من الكامل]:

                                                                                                                                                                                                ................................. ...     والعيش بعد أولئك الأيام



                                                                                                                                                                                                [ ص: 520 ] و "عنه": في موضع الرفع بالفاعلية، أي: كل واحد منها كان مسؤولا عنه، فمسؤول: مسند إلى الجار والمجرور، كالمغضوب في قوله: غير المغضوب عليهم [الفاتحة: 7]، يقال للإنسان: لم سمعت ما لم يحل لك سماعه; ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ وقرئ : "والفواد" بفتح الفاء والواو، قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد، ثم استصحب القلب مع الفتح.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية