الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فليأتنا بآية كما أرسل الأولون .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن الكفار اقترحوا على نبينا أن يأتيهم بآية كآيات الرسل قبله ؛ نحو ناقة صالح ، وعصى موسى ، وريح سليمان ، وإحياء عيسى للأموات ، وإبرائه الأكمه والأبرص ، ونحو ذلك . وإيضاح وجه التشبيه في قوله : كما أرسل الأولون هو أنه في معنى : كما أتى الأولون بالآيات ؛ لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات . فقولك أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالمعجزة . وقد بين تعالى أن الآيات التي اقترحوها لو جاءتهم ما آمنوا ، وأنها لو جاءتهم وتمادوا على كفرهم أهلكهم الله بعذاب مستأصل ، كما أهلك قوم صالح لما عقروا الناقة . كقوله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها الآية [ 17 \ 59 ] وكقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون [ 6 \ 109 ] . وأشار إلى ذلك هنا في قوله : ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون [ 21 \ 6 ] يعني أن الأمم الذين اقترحوا الآيات من قبلهم وجاءتهم رسلهم بما اقترحوا لم يؤمنوا ، بل تمادوا فأهلكهم الله ، وأنتم أشد منهم عتوا وعنادا . فلو جاءكم ما اقترحتم ما آمنتم ، فهلكتم كما هلكوا . وقال تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية [ 10 \ 96 - 97 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين أنهم جاءتهم آية هي أعظم الآيات ، فيستحق من لم يكتف بها التقريع والتوبيخ ، وذلك في قوله : وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن الآية [ 29

                                                                                                                                                                                                                                      - 51 ] . وقد ذكرنا أن هذا المعنى يشير إليه قوله : وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في [ ص: 137 ] الصحف الأولى [ 20 \ 133 ] وقوله : وما أرسلنا قبلك إلا رجالا إلى قوله : وما كانوا خالدين [ 21 \ 8 ] ، قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية