الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ؛ [ ص: 126 ] معنى "تالله": "والله"؛ و"لا"؛ مضمرة؛ المعنى: "والله لا تفتأ تذكر يوسف "؛ أي: "لا تزال تذكر يوسف" ؛ حتى تكون حرضا ؛ و"الحرض": الفاسد في جسمه؛ أي: "حتى تكون مدنفا مريضا"؛ و"الحرض": الفاسد في أخلاقه؛ وقولهم: "حرضت فلانا على فلان"؛ تأويله: أفسدته عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        وإنما جاز إضمار "لا"؛ في قوله: "تالله تفتأ تذكر يوسف "؛ لأنه لا يجوز في القسم "تالله تفعل"؛ حتى تقول "لتفعلن"؛ أو "لا تفعل"؛ والقسم لا يجوز للناس إلا بالله - عز وجل -؛ لا يجوز أن يحلف الرجل بأبيه؛ ولا ينبغي أن يحلف بالأنبياء؛ ولا يحلف إلا بالله؛ ويروى عن النبي - عليه السلام - أنه قال لعمر : "لا تحلفوا بآبائكم؛ ومن كان حالفا فليحلف بالله" .

                                                                                                                                                                                                                                        فإن قال القائل: فما مجاز القسم في كتاب الله - عز وجل - في قوله: والليل إذا يغشى ؛ والسماء ذات البروج ؛ والتين والزيتون ؛ وما أشبه هذه الأشياء التي ذكرها الله - جل جلاله - في كتابه؟ ففيها أوجه؛ كلها قد ذكرها البصريون؛ فقالوا: جائز أن يكون الله - عز وجل - أقسم بها لأن فيها كلها دليلا عليه؛ وآيات بينات؛ قال الله - عز وجل -: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ؛ إلخ؛ الآية.

                                                                                                                                                                                                                                        وقال: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات ؛ فكان القسم بهذا يدل على عظمة الله؛ وقال قطرب : جائز أن يكون معناها: "ورب الشمس وضحاها"؛ "ورب التين والزيتون"؛ كما قال: والسماء ذات البروج ؛ وقال: والأرض وما طحاها

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 127 ] وقال: فورب السماء والأرض إنه لحق ؛ وقالوا أيضا: جائز أن يكون "وخلق السماوات والأرض"؛ "وخلق التين والزيتون"؛ وقالوا: يجوز أن يكون لما كان معنى القسم معنى التحقيق؛ وأن هذه الأشياء التي أقسم الله بها حق كلها؛ وكذلك ما أقسم عليه حق؛ فالمعنى: "كما أن التين والزيتون حق؛ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"؛ وأجود هذه الأقوال ما بدأنا به في أولها.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية