الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون

                                                                                                                                                                                                                                      وإن نكثوا عطف على قوله تعالى: "فإن تابوا" أي: وإن لم يفعلوا ذلك بل نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم الموثق بها، وأظهروا ما في ضمائرهم من الشر، وأخرجوه من القوة إلى الفعل حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا" ... الآية، أو ثبتوا على ما هم عليه من النكث، لا أنهم ارتدوا بعد الإيمان- كما قيل - وطعنوا في دينكم قدحوا فيه بصريح التكذيب وتقبيح الأحكام فقاتلوا أئمة الكفر أي: فقاتلوهم، وإنما أوثر ما عليه النظم الكريم للإيذان بأنهم صاروا بذلك ذوي رياسة وتقدم في الكفر، أحقاء بالقتل والقتال، وقيل المراد بأئمتهم رؤساؤهم وصناديدهم، وتخصيصهم بالذكر إما لأهمية قتلهم، أو للمنع من مراقبتهم لكونهم مظنة لها، أو للدلالة على استئصالهم، فإن قتلهم غالبا يكون بعد قتل من دونهم، وقرئ (أئمة) بتحقيق الهمزتين على الأصل، والأفصح إخراج الثانية بين بين، [ ص: 48 ] وأما التصريح بالياء فلحن ظاهر عند الفراء إنهم لا أيمان لهم أي: على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعدون نقضها محذورا، وإن أجروها على ألسنتهم، وإنما علق النفي بها - كالنكث فيما سلف لا بالعهد المؤكد بها - لأنها العمدة في المواثيق، وجعل الجملة تعليلا للأمر بالقتال لا يساعده تعليقه بالنكث والطعن؛ لأن حالهم في أن لا أيمان لهم حقيقة بعد النكث والطعن كحالهم قبل ذلك، وحمله على معنى عدم بقاء أيمانهم بعد النكث والطعن - مع أنه لا حاجة إلى بيانه - خلاف الظاهر، ولعل الأولى جعلها تعليلا لمضمون الشرط، كأنه قيل: وإن نكثوا وطعنوا، كما هو المتوقع منهم، إذ لا أيمان لهم حقيقة حتى لا ينكثوها، أو لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام، كأنه قيل: فقاتلوهم إلى أن يؤمنوا إنهم لا أيمان لهم حتى يعقد معهم عهد آخر، وقرئ بكسر الهمزة على أنه مصدر بمعنى إعطاء الأمان، أي: لا سبيل إلى أن تعطوهم أمانا بعد ذلك أبدا، وأما العكس - كما قيل - فلا وجه له لإشعاره بأن معاهدتهم معنا على طريقة أن يكون إعطاء الأمان من قبلهم، وذلك بين البطلان، أو بمعنى الإسلام، ففي كونه تعليلا للأمر بالقتال إشكال بل استحالة؛ لأنه إن حمل على انتفاء الإسلام مطلقا فهو بمعزل عن العلية للقتال، أو للأمر به كما قبل النكث والطعن، وإن حمل على انتفائه فيما سيأتي فلا يلائم جعل الانتهاء غاية للقتال فيما سيجيء، فالوجه أن يجعل تعليلا لما ذكر من مضمون الشرط، كأنه قيل: إن نكثوا وطعنوا، وهو الظاهر من حالهم؛ لأنه لا إسلام لهم حتى يرتدعوا عن نقض جنس أيمانهم، وعن الطعن في دينكم.

                                                                                                                                                                                                                                      لعلهم ينتهون متعلق بقوله تعالى: "فقاتلوا" أي: قاتلوهم إرادة أن ينتهوا، أي: ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم التي يرتكبونها، لا إيصال الأذية بهم كما هو ديدن المؤذين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية