الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                          صفحة جزء
                                          قوله تعالى: فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون آية 76

                                          [10408] حدثنا أبي , ثنا هشام بن عمار , ثنا محمد بن شعيب, ثنا معان بن رفاعة السلامي, عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الهلالي أنه أخبره عن القاسم أبي عبد الرحمن : أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي , عن ثعلبة بن حاطب أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزقه مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا". قال: فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة, فتنحى عن المنزل فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويترك ما سواهما, ثم نمت فكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة, وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة وطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة يسألهم عن الأخبار, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: [ ص: 1848 ] ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله, اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة, وأخبروه بأمره فقال: "يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة". قال: وأنزل الله تبارك وتعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وأنزل الله عليه فرائض الصدقة, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلا من جهينة ورجلا من بني سليم, وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة وأسنان الإبل، وأمرهما أن يخرجا فيأخذا الصدقة, قال لهما مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم, فخذا صدقاتهما. فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذه؟ انطلقا حتى تفرغا، ثم عودا إلي، فانطلقا, وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلهما للصدقة، ثم استقبلهم بها فلما رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ منك هذا، قال: بلى فخذوا، فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي لي، فأخذوها منه، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذا إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي, فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والذي صنع السلمي فأنزل الله فيه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون إلى قوله: يكذبون وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فانطلق حتى أتى ثعلبة فقال: ويح يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا, فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: "إن الله قد منعني أن أقبل منك صدقتك, فجعل يحثو على رأسه التراب, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني". فلما أبى أن يقبض منه شيئا رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا، أتى أبا بكر حين استخلف فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي, فقال أبو بكر : لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلها أنا؟ فقبض أبو بكر ولم يقبلها, فلما ولي عمر أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبضها، فقبض عمر ولم يقبلها ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبض صدقته فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى [ ص: 1849 ] الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك؟! فلم يقبلها وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين.

                                          التالي السابق


                                          الخدمات العلمية