الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ومن باع بنسيئة ، لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقدا ، إلا أن تكون قد تغيرت صفتها ، وإن اشتراها أبوه ، أو ابنه جاز وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة ، ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه ، أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة ؛ لم يجز .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ومن باع بنسيئة ) أو بثمن لم يقبضه ، ذكره الأكثر ( لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقدا ) وهو قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم لما روى غندر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن امرأته العالية قالت دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة فقالت أم ولد زيد بن أرقم إني بعت غلاما من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ، ثم اشتريته منه بستمائة درهم نقدا فقالت لها بئسما اشتريت وبئسما شريت ، أبلغي زيدا أن جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطل إلا أن يتوب رواه أحمد وسعيد ، ولا تقول مثل ذلك إلا توقيفا ، ولأنه ذريعة إلى الربا ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل ، والذرائع معتبرة في الشرع بدليل منع القاتل من الإرث ، ولأنه تعالى عتب على بني إسرائيل التحيل [ ص: 49 ] في ارتكاب ما نهوا عنه ، وظاهره ولو بعد حل أجله نقله ابن القاسم وسندي ، وقيد الشراء بالنقد تبعا لأبي الخطاب ، فدل على أنه إذا اشتراها بعرض ، أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها ، بنقد جاز بغير خلاف نعلمه ؛ لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض ، وظاهره أنه لا يجوز إذا اختلف النقد ، صححه المؤلف ، لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية ، وقال الأصحاب يجوز ، وهو المذهب ، لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما ، وكذا لو اشتراها من غير مشتريه ، وظاهره المنع كتوكيله وسميت عينة ؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا ؛ أي : نقدا حاضرا من فوره ، وروي أن التبايع بها من أشراط الساعة ( إلا أن تكون قد تغيرت صفتها ) كعبد مرض ، أو ثوب انقطع ؛ لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا وتوقف في رواية مثنى فيما إذا نقص من نفسه وحمله في الخلاف على أن نقصه أقل من النقص الذي اشتراه به فتكون علة المنع باقية ، وكذا يجوز بعد قبض ثمنه صرح به في " الوجيز " و " الفروع " ( وإن اشتراها أبوه أو ابنه ) أو غلامه ونحوه ( جاز ) لأن كل واحد منهم كالأجنبي بالنسبة إلى الشراء ما لم يكن حيلة .

                                                                                                                          فرع : إذا باع بنقد ، ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة فهي عكس العينة ، وهي مثلها نقله حرب إلا أن تتغير صفتها ، ونقل أبو داود يجوز بلا حيلة ، فلو احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بثمانين فلا بأس ، نص عليه وهي مثل التورق ، وعنه : يكره ، وحرمه الشيخ تقي الدين ، نقل أبو داود إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتري منك هو أهون ، فإن كان [ ص: 50 ] يريد بيعه فهي العينة ، وإن باعه منه لم يجز ، وهي العينة نص عليه ( وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة ) كالمكيل والموزون والمطعوم ( ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه ) كما لو باعه غرارة قمح بمائة درهم ، فلما حل اشترى بها غرارة قمح ( أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة ) كما لو اشترى بثمن القمح غرارة شعير ( لم يجز ) روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس ، لأن بيع ذلك ذريعة إلى بيع الربوي بالربوي نسيئة ، ويكون الثمن المعوض عنه بينهما كالمعدوم ؛ لأنه لا أثر له ، وعلله أحمد بأنه بيع دين بدين ، وجوزه الشيخ تقي الدين لحاجة قال في " المغني " : والذي يقوى عندي جوازه إذا لم يفعله حيلة ، ولا قصد ذلك في ابتداء العقد لقول علي الحسين وكما لو كان المبيع الأول حيوانا أو ثيابا ، وظاهره أنه إذا اشترى من المشتري طعاما بدراهم وسلمها إليه ، ثم أخذها منه وفاء ، أو لم يسلم إليه ، لكن قاصه جاز ، صرح به في " المغني " ، و " الشرح " .

                                                                                                                          مسألة : يستحب الإشهاد في قول الجمهور ، إذ الأمر فيه محمول عليه ، وقال قوم وروي عن ابن عباس هو واجب لظاهر الآية وكالنكاح ، وجوابه قوله تعالى : فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته [ البقرة : 283 ] قال أبو سعيد : صار إلى الأمانة ، وفعله عليه السلام يفسره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية