الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار وعن بسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          19 - باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب

                                                                                                          الخرص بالكسر : حزر قدر الثمار .

                                                                                                          609 607 - ( مالك ، عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار ) الهلالي المدني التابعي ، أحد الفقهاء المتوفى بعد المائة وقيل قبلها . ( وعن بسر ) بضم الموحدة وسكون المهملة ( بن سعيد ) بكسر العين المدني العابد ، تابعي صغير ، ثقة ، حافظ . وهذا رواه البخاري والأربعة من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فيما سقت السماء ) أي المطر ، من باب ذكر المحل وإرادة الحال ( والعيون ) الجارية على وجه الأرض التي لا يتكلف في رفع مائها لآلة ولا لحمل وهو السيح ( والبعل ) بموحدة مفتوحة [ ص: 188 ] وعين مهملة ساكنة ، وهو ما شرب بعروقه من الأرض ولم يحتج إلى سقي سماء ولا آلة ، وهذا هو المعبر عنه في حديث ابن عمر بقوله : أو كان عثريا ، بفتح العين المهملة والمثلثة الخفيفة وكسر الراء وشد التحتية . فقد فسره الخطابي بأنه الذي يشرب بعروقه من غير سقي . ( العشر ) مبتدأ خبره " فيما سقت السماء " ، أي العشر واجب فيما سقت السماء ( وفيما سقي بالنضح ) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة ، أي بالسانية ، وهي رواية مسلم ( نصف العشر ) لثقل المؤنة وخفتها في الأول ، والناضح : الإبل التي يستقى عليها لكنها كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم ، ولذا كان المراد بالنضح الرش أو الصب بما يستخرج من الآبار والأنهار بآلة ، وهذا إن سقى بأحدهما ، فإن سقى بهما وتساوى فثلاثة أرباع العشر بلا خلاف ، وهو ظاهر الحديث ، فإن كان أحدهما أكثر فالأقل تبع له ، وعموم الحديث ظاهر في عدم شرط النصاب في إيجاب زكاة كل ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة ، لكن خصه الجمهور بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصفه ، بخلاف حديث : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " . فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره ، فأخذ به الجمهور عملا بالدليل ، وأخذ أبو حنيفة بعمومه ، ورده البخاري بأن المفسر يقضي على المبهم أي الخاص يقضي على العام ; لأن فيما سقت عام يشمل النصاب ودونه وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة خاص بقدر النصاب .

                                                                                                          وأجاب بعض الحنفية بأن محل ذلك إذا كان البيان وفق المبين لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ، أما إذا بقي شيء من أفراد العام مثلا فيمكن التمسك به كحديث أبي سعيد هذا ، فإنه دل على النصاب فيما يقبل التوسيق وسكت عما لا يقبله ، فيمكن التمسك بعموم قوله : فيما سقت السماء العشر . أي فيما لا يمكن التوسيق فيه عملا بالدليلين كذا قال ، ولا يصح له هذا الجواب ; لأنه يقتضي أن ما نقص عن الخمسة مما يوسق لا زكاة فيه مع أنه يقول بزكاته ولو وسقا فأقل ، وأجاب الجمهور بما روي مرفوعا : " لا زكاة في الخضراوات " . رواه الدارقطني عن معاذ مرفوعا . وقال الترمذي : لا يصح فيه شيء إلا مرسل موسى بن طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو دال على أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما يدخر للاقتيات في حال الاختيار ، وهذا قول مالك والشافعي . وعن أحمد : تخرج من جميع ذلك وإن لم يقتت ، وقاله محمد وأبو يوسف وقال ابن العربي : أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة وهو التمسك بالعموم ، قال : وزعم الجويني أن الحديث إنما جاء لتفصيل ما تقل مؤنته مما تكثر مؤنته ، ولا مانع أن يكون الحديث يقتضي الوجهين .




                                                                                                          الخدمات العلمية