الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون .

                                                                                                                                                                                                                                      في هذه الآية الكريمة تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن إخوانه من الرسل الكرام - صلوات الله وسلامه عليهم - استهزأ بهم الكفار ، كما استهزءوا به - صلى الله عليه وسلم - يعني : فاصبر كما صبروا ، ولك [ ص: 153 ] العاقبة الحميدة ، والنصر النهائي كما كان لهم . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من ذلك جاء موضحا في مواضع من كتاب الله . كقوله تعالى : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك [ 41 \ 43 ] وقوله تعالى : وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك [ 11 \ 120 ] وقوله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ 6 ] وقوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير [ 35 \ 25 - 26 ] وقوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور [ 35 \ 4 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في هذه الآية الكريمة : فحاق بالذين سخروا منهم أي : أحاط بهم . ومادة حاق يائية العين ، بدليل قوله في المضارع : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ 35 \ 43 ] ولا تستعمل هذه المادة إلا في إحاطة المكروه خاصة . فلا تقول : حاق به الخير بمعنى أحاط به . والأظهر في معنى الآية أن المراد : وحاق بهم العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ويستهزئون به ، وعلى هذا اقتصر ابن كثير . وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : فحاق أي : أحاط ودار بالذين كفروا و سخروا منهم وهزئوا بهم ( ما كانوا به يستهزئون ) [ 21 \ 41 ] أي جزاء استهزائهم . والأول أظهر ، والعلم عند الله تعالى . والآية تدل على أن السخرية من الاستهزاء وهو معروف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية