الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه وإن خفتم شقاق بينهما وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور فأما من المرأة فالنشوز وتركها أداء حق الله [ ص: 319 ] عليها الذي ألزمها الله لزوجها وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان .

والشقاق مصدر من قول القائل شاق فلان فلانا ، إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور فهو يشاقه مشاقة وشقاقا وذلك قد يكون عداوة كما

9403 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي في قوله وإن خفتم شقاق بينهما قال إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقته يقول عادته .

وإنما أضيف الشقاق إلى البين لأن البين قد يكون اسما كما قال جل ثناؤه ( لقد تقطع بينكم ) [ سورة الأنعام 94 ] في قراءة من قرأ ذلك .

وأما قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية من المأمور ببعثة الحكمين

فقال بعضهم المأمور بذلك السلطان الذي يرفع ذلك إليه

ذكر من قال ذلك

9404 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير : أنه قال في المختلعة يعظها فإن انتهت وإلا هجرها فإن انتهت وإلا ضربها فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها فيقول الحكم الذي من أهلها يفعل بها [ ص: 320 ] كذا ويقول الحكم الذي من أهله تفعل به كذا فأيهما كان الظالم رده السلطان وأخذ فوق يديه وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع

9405 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال بل ذلك إلى السلطان .

وقال آخرون بل المأمور بذلك الرجل والمرأة .

ذكر من قال ذلك :

9406 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : إن ضربها فإن رجعت فإنه ليس له عليها سبيل فإن أبت أن ترجع وشاقته فليبعث حكما من أهله وتبعث حكما من أهلها .

ثم اختلف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما وكيف وجه بعثهما بينهما

فقال بعضهم يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما وليس لهما أن يعملا شيئا في أمرهما إلا ما وكلاهما به أو وكله كل واحد منهما بما إليه فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه أو توكيل من وكل منهما في ذلك

ذكر من قال ذلك :

9407 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن محمد عن عبيدة قال جاء رجل وامرأته بينهما شقاق إلى علي رضي الله عنه مع كل واحد منهما فئام من الناس فقال علي رضي الله عنه ابعثوا حكما [ ص: 321 ] من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي قال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه كذبت والله لا تنقلب حتى تقر بمثل الذي أقرت به

9408 - حدثنا مجاهد بن موسى قال حدثنا يزيد قال حدثنا هشام بن حسان وعبد الله بن عون عن محمد : أن عليا رضي الله عنه أتاه رجل وامرأته ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهما علي رضي الله عنه أن يبعثا حكما من أهله وحكما من أهلها ؛ لينظرا فلما دنا منه الحكمان قال لهما علي رضي الله عنه أتدريان ما لكما ؟ لكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما . قال هشام في حديثه فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي فقال الرجل أما الفرقة فلا . فقال علي : كذبت والله حتى ترضى مثل ما رضيت به . وقال ابن عون في حديثه كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به .

9409 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا هشيم قال أخبرنا منصور وهشام عن ابن سيرين عن عبيدة قال شهدت عليا رضي الله عنه فذكر مثله

9410 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط [ ص: 322 ] عن السدي قال إذا هجرها في المضجع وضربها فأبت أن ترجع وشاقته فليبعث حكما من أهله وتبعث حكما من أهلها تقول المرأة لحكمها قد وليتك أمري فإن أمرتني أن أرجع رجعت وإن فرقت تفرقنا وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئا من الأشياء وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع أو تخبره أنها لا تريد الطلاق ويبعث الرجل حكما من أهله يوليه أمره ويخبره يقول له حاجته إن كان يريدها أو لا يريد أن يطلقها أعطاها ما سألت وزادها في النفقة وإلا قال له خذ لي منها ما لها علي وطلقها فيوليه أمره فإن شاء طلق وإن شاء أمسك ثم يجتمع الحكمان فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز إن طلقا وإن أمسكا فهو قول الله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما فإن بعثت المرأة حكما وأبى الرجل أن يبعث فإنه لا يقربها حتى يبعث حكما .

وقال آخرون إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قبل صاحبه لا التفريق بينهما .

ذكر من قال ذلك :

9411 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن وهو قول قتادة أنهما قالا إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه وأما الفرقة فليست في أيديهما ولم يملكا ذلك يعني : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها

9412 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : [ ص: 323 ] الآية إنما يبعث الحكمان ليصلحا فإن أعياهما أن يصلحا شهدا على الظالم بظلمه وليس بأيديهما فرقة ولا يملكان ذلك

9413 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن قيس بن سعد قال وسألت عن الحكمين قال ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فما حكم الحكمان من شيء فهو جائز يقول الله تبارك وتعالى إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما . قال يخلو حكم الرجل بالزوج وحكم المرأة بالمرأة فيقول كل واحد منهما لصاحبه اصدقني ما في نفسك فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه اجتمع الحكمان وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقا لتصدقني الذي قال لك صاحبك ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي فذاك حين أرادا الإصلاح يوفق الله بينهما فإذا فعلا ذلك اطلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه إليه فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما فأتيا عليه فحكما عليه فإن كانت المرأة قالا أنت الظالمة العاصية لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحق وتطيعي الله فيه وإن كان الرجل هو الظالم قالا أنت الظالم المضار لا تدخل لها بيتا حتى تنفق عليها وترجع إلى الحق والعدل فإن أبت ذلك كانت هي الظالمة العاصية وأخذ منها ما لها وهو له حلال طيب وإن كان هو الظالم المسيء إليها المضار لها طلقها ولم يحل له من مالها شيء فإن أمسكها أمسكها بما أمر الله وأنفق عليها وأحسن إليها . [ ص: 324 ]

9414 - حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين حكما من أهله وحكما من أهلها فيقول الحكم من أهلها يا فلان ما تنقم من زوجتك ؟ فيقول أنقم منها كذا وكذا قال فيقول أفرأيت إن نزعت عما تكره إلى ما تحب هل أنت متقي الله فيها ومعاشرها بالذي يحق عليك في نفقتها وكسوتها فإذا قال نعم قال الحكم من أهله يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان فيقول مثل ذلك فإن قالت نعم جمع بينهما . قال وقال علي رضي الله عنه الحكمان بهما يجمع الله وبهما يفرق

9415 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قال الحسن : الحكمان يحكمان في الاجتماع ولا يحكمان في الفرقة

9416 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن : وهي المرأة التي تنشز على زوجها فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك وهو بعدما تقول لزوجها والله لا أبر لك قسما ولآذنن في بيتك بغير أمرك ويقول السلطان لا نجيز لك خلعا ، حتى تقول المرأة لزوجها والله لا أغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك صلاة فعند ذلك يقول السلطان اخلع المرأة [ ص: 325 ]

9417 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن قال : تعظها فإن أبت وغلبت فاهجرها في مضجعها فإن غلبت هذا أيضا ، فاضربها فإن غلبت هذا أيضا بعث حكم من أهله وحكم من أهلها فإن غلبت هذا أيضا وأرادت غيره فإن أبي قال أو كان أبي يقول ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا أنت يا فلان ظالم انزع فإن أبى رفعا ذلك إلى السلطان . ليس إلى الحكمين من الفراق شيء .

وقال آخرون بل إنما يبعث الحكمين السلطان على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق

ذكر من قال ذلك

9418 - حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما فأمر الله - سبحانه أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ومثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا [ ص: 326 ] أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي وذلك قوله إن يريدا إصلاحا قال هما الحكمان يوفق الله بينهما "

9419 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا روح قال حدثنا عوف عن محمد بن سيرين : أن الحكم من أهلها والحكم من أهله يفرقان ويجمعان إذا رأيا ذلك فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها

9420 - حدثني محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ، قال سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فقال لم أولد إذ ذاك فقلت إنما أعني حكم الشقاق . قال يقبلان على الذي جاء التداري من عنده فإن فعل وإلا أقبلا على الآخر فإن فعل وإلا حكما فما حكما من شيء فهو جائز

9421 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن عامر في قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز

9422 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن داود [ ص: 327 ] عن إبراهيم قال ما حكما من شيء فهو جائز إن فرقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين فهو جائز وإن فرقا بتطليقة فهو جائز وإن حكما عليه بجزاء بهذا من ماله فهو جائز فإن أصلحا فهو جائز وإن وضعا من شيء فهو جائز

9423 - حدثنا المثنى قال حدثنا حبان قال أخبرنا ابن المبارك قال حدثنا أبو جعفر عن المغيرة عن إبراهيم في قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما إن طلقا ثلاثا فهو جائز عليهما وإن طلقا واحدة وطلقاها على جعل فهو جائز وما صنعا من شيء فهو جائز

9424 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال إن شاء الحكمان أن يفرقا فرقا وإن شاءا أن يجمعا جمعا

9425 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني هشيم عن حصين عن الشعبي : أن امرأة نشزت على زوجها فاختصموا إلى شريح فقال شريح : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فنظر الحكمان في أمرهما فرأيا أن يفرقا بينهما فكره ذلك الرجل فقال شريح : ففيم كانا اليوم وأجاز قولهما

9426 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس قال بعثت [ ص: 328 ] أنا ومعاوية حكمين قال معمر : بلغني أن عثمان رضي الله عنه بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما

9427 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال حدثني ابن أبي مليكة : أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة فكان بينهما كلام فجاءت عثمان فذكرت ذلك له فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما وقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف فأتياهما وقد اصطلحا .

9428 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : يكونان عدلين عليهما وشاهدين وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان جعل عليهما حكمين حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة يكونان أمينين عليهما جميعا وينظران من أيهما يكون الفساد فإن كان من قبل المرأة أجبرت على طاعة زوجها وأمر أن يتقي الله ويحسن صحبتها وينفق عليها بقدر ما آتاه الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وإن كانت الإساءة من قبل الرجل أمر بالإحسان إليها فإن لم يفعل قيل له أعطها حقها وخل سبيلها وإنما يلي ذلك منهما السلطان .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها : أن الله خاطب المسلمين بذلك وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض [ ص: 329 ] وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين أو من أقامه في ذلك مقام نفسه

واختلفوا في الزوجين والسلطان ومن المأمور بالبعثة في ذلك الزوجان أو السلطان ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة فيه مختلفة

وإذ كان الأمر على ما وصفنا فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون مخصوصا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها وإذ كان ذلك كذلك فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية والأمر بقوله فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إذ كان مختلفا بينهما هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا ؟ وكان ظاهر الآية قد عمهما فالواجب من القول إذ كان صحيحا ما وصفنا ، صحيحا أن يقال إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكما من قبله لينظر في أمرهما وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك لما له على صاحبه ولصاحبه عليه فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه

وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكله به وذلك أن يوكله أحدهما بما له دون ما عليه

وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه أو بما له أو بما عليه [ ص: 330 ] إلا الحكمين كليهما [ لم يجز ] إلا ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما

وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء وإنما بعثاهما للنظر بينهما ، ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلاق أو أخذ مال أو غير ذلك ولم يلزم الزوجين ولا واحدا منهما شيء من ذلك .

فإن قال قائل وما معنى الحكمين إذ كان الأمر على ما وصفت

قيل قد اختلف في ذلك

فقال بعضهم : معنى الحكم النظر العدل كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه الذي :

9429 - حدثنا به يحيى بن أبي طالب عن يزيد عن جويبر عنه لا أنتما قاضيان تقضيان بينهما

على السبيل التي بينا من قوله .

وقال آخرون معنى ذلك أنهما القاضيان يقضيان بينهما ما فوض إليهما الزوجان . [ ص: 331 ]

قال أبو جعفر : وأي الأمرين كان فليس لهما ولا لواحد منهما الحكم بينهما بالفرقة ولا بأخذ مال إلا برضى المحكوم عليه بذلك وإلا ما لزم من حق لأحد الزوجين على الآخر في حكم الله وذلك ما لزم الرجل لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف إن كان هو الظالم لها

فأما غير ذلك فليس ذلك لهما ولا لأحد من الناس غيرهما لا السلطان ولا غيره وذلك أن الزوج إن كان هو الظالم للمرأة فللإمام السبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حق وإن كانت المرأة هي الظالمة زوجها الناشزة عليه فقد أباح الله له أخذ الفدية منها وجعل إليه طلاقها على ما قد بيناه في سورة البقرة

وإذ كان الأمر كذلك لم يكن لأحد الفرقة بين رجل وامرأة بغير رضى الزوج ولا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس

وإن بعث الحكمين السلطان فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضى المرأة يدل على ذلك ما قد بيناه قبل من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك والقائلين بقوله ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين ويتعرفا الظالم منهما من المظلوم ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما

وإنما قلنا ليس لهما التفريق للعلة التي ذكرناها آنفا وإنما يبعث السلطان الحكمين إذا بعثهما إذا ارتفع إليه الزوجان فشكا كل واحد منهما صاحبه وأشكل عليه المحق منهما من المبطل لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية