الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما لا زكاة فيه من الثمار

                                                                                                          قال مالك إن الرجل إذا كان له ما يجد منه أربعة أوسق من التمر وما يقطف منه أربعة أوسق من الزبيب وما يحصد منه أربعة أوسق من الحنطة وما يحصد منه أربعة أوسق من القطنية إنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض وإنه ليس عليه في شيء من ذلك زكاة حتى يكون في الصنف الواحد من التمر أو في الزبيب أو في الحنطة أو في القطنية ما يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق بصاع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف ما يبلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة فإن لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه وتفسير ذلك أن يجذ الرجل من التمر خمسة أوسق وإن اختلفت أسماؤه وألوانه فإنه يجمع بعضه إلى بعض ثم يؤخذ من ذلك الزكاة فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه وكذلك الحنطة كلها السمراء والبيضاء والشعير والسلت كل ذلك صنف واحد فإذا حصد الرجل من ذلك كله خمسة أوسق جمع عليه بعض ذلك إلى بعض ووجبت فيه الزكاة فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه وكذلك الزبيب كله أسوده وأحمره فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه وكذلك القطنية هي صنف واحد مثل الحنطة والتمر والزبيب وإن اختلفت أسماؤها وألوانها والقطنية الحمص والعدس واللوبيا والجلبان وكل ما ثبت معرفته عند الناس أنه قطنية فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان من أصناف القطنية كلها ليس من صنف واحد من القطنية فإنه يجمع ذلك بعضه إلى بعض وعليه فيه الزكاة قال مالك وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة فيما أخذ من النبط ورأى أن القطنية كلها صنف واحد فأخذ منها العشر وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر قال مالك فإن قال قائل كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة والرجل يأخذ منها اثنين بواحد يدا بيد ولا يؤخذ من الحنطة اثنان بواحد يدا بيد قيل له فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة وقد يؤخذ بالدينار أضعافه في العدد من الورق يدا بيد قال مالك في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر إنه لا صدقة عليهما فيها وإنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق وللآخر ما يجذ أربعة أوسق أو أقل من ذلك في أرض واحدة كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها يحصد أو النخل يجد أو الكرم يقطف فإنه إذا كان كل رجل منهم يجد من التمر أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق أو يحصد من الحنطة خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه وإنما تجب الصدقة على من بلغ جداده أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق قال مالك السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته سنين ثم باعه أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها وأنه لم يكن للتجارة وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض يفيدها الرجل ثم يمسكها سنين ثم يبيعها بذهب أو ورق فلا يكون عليه في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها فإن كان أصل تلك العروض للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها إذا كان قد حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          21 - باب ما لا زكاة فيه من الثمار

                                                                                                          ( قال مالك : إن الرجل إذا كان له ما يجد ) بضم الجيم ودال مهملة ومعجمة يصرم ويقطع ، [ ص: 195 ] ( منه أربعة أوسق من التمر ) قال في القاموس في باب الذال المعجمة : الجذ الإسراع ، والقطع المستأصل . وقال في الدال المهملة من جملة معان ، والقطع وصرام النخل كالجداد ، انتهى .

                                                                                                          والصرام قطع الثمرة ، قال تعالى : ليصرمنها ( سورة القلم : الآية 17 ) أي : : يقطعون ثمرها ( وما يقطف ) بكسر الطاء وضمها ؛ يقطع ( منه أربعة أوسق من الزبيب ، وما يحصد ) بكسر الصاد وضمها ( منه أربعة أوسق من الحنطة وما يحصد منه أربعة أوسق من القطنية ) بكسر القاف وضمها لغة ، ( أنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض ) لاختلاف الجنس ، ( وأنه ليس عليه في شيء من ذلك زكاة حتى تكون في الصنف الواحد من التمر ) بفوقية ، ( أو في الزبيب أو في الحنطة أو في القطنية ما يبلغ النصف الواحد خمسة أوسق ) ستين صاعا ( بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ) لأنها أصناف مختلفة المنافع ، متباينة الأغراض ، فلا يضاف بعضها إلى بعض ليكمل النصاب ( كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ) ومن عنده خمسة أوسق من تمر أو زبيب ليس عنده خمسة من تمر ( وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف ) على اختلاف أنواعها ( ما يبلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة فإن لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه ، وتفسير ذلك أن يجذ ) يقطع ( الرجل من التمر ) للنخل ( خمسة أوسق وإن اختلفت أسماؤه ) كبرني وصيحاني ، ( وألوانه ) أجناسه ، قال بعضهم : وأهل المدينة يسمون النخل كله الألوان ما خلا البرني والعجوة .

                                                                                                          وقال أبو حاتم : الألوان الدقل ( فإنه يجمع بعضه إلى بعض ثم يؤخذ من ذلك الزكاة ، فإن لم يبلغ ذلك ) أي : خمسة أوسق ، وفي نسخة : فإن لم يبلغها ( فلا زكاة فيه ) لنقص النصاب .

                                                                                                          ( وكذلك الحنطة كلها السمراء ) تأنيث أسمر سميت به لسمرتها ، ( والبيضاء ) تأنيث الأبيض لبياضها .

                                                                                                          ( والشعير والسلت [ ص: 196 ] كل ذلك صنف واحد ) لتقارب منافعها . ( فإذا حصد الرجل من ذلك كله خمسة أوسق جمع عليه بعض ذلك إلى بعض ووجبت فيه الزكاة ، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه ) وبهذا قال الحسن وطاوس والزهري وعكرمة ، وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور : لا تضم كل حبة - عرفت باسم منفرد دون صاحبتها وهي خلافها في الخلقة والطعم - إلى غيرها .

                                                                                                          قال الباجي : ولا يتجه بيننا وبين أبي حنيفة اختلاف في الحكم ؛ لأنه لا يراعي النصاب في الحبوب فهو يزكي القليل والكثير منها ، قال : ورأى مالك ومن وافقه أنها متقاربة المنافع ؛ مثل الذهب الجيد والرديء والضأن والمعز والبخت والعراب ، فمنافع القمح والشعير والسلت متقاربة ، ولا ينفك بعضها عن بعض في المنبت والمحصد ، والأظهر عندي تعليل ذلك بتشابه الحنطة والسلت في الصورة والمنفعة وهما أقرب تشابها من الحنطة والعلس ، وقد سلم لنا المخالف العلس فيلزمه تسليم السلت ، ويلحق به الشعير ، فإن الأمة على قولين : الثلاثة صنف واحد أو أصناف ، فمن قال : السلت والحنطة صنف والشعير صنف ثان فقد خالف الإجماع ، فإذا ثبت ذلك فالزكاة مبنية على المواساة ، فإذا قصر صنف عن احتمالها ، وعنده صنف منفعته مع المقصر واحدة ومقصودهما سواء ، وبلغا جميعا قدرا يحمل المواساة - وهو النصاب - جمعا ، واحتملا المواساة ، ولا ينظر إلى اختلاف الأسماء مع اتفاق المنافع .

                                                                                                          ( وكذلك الزبيب كله وأسوده وأحمره ، فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة ، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه ) لنقصه عن النصاب ( وكذلك القطنية هي صنف واحد ) كلها في الزكاة يجمع بعضها إلى بعض ( مثل الحنطة ) كلها صنف ( والتمر والزبيب ) كل واحد منهما صنف ( وإن اختلف أسماؤها وألوانها ) أجناسها ، قال أبو عمر : أجمعوا على أنه لا يجمع تمرا إلى زبيب فصار أصلا يقاس عليه .

                                                                                                          ( والقطنية الحمص ) بكسر الحاء وشد الميم مكسورة عند البصريين ، مفتوحة عند الكوفيين .

                                                                                                          ( والعدس واللوبيا والجلبان ) وترمس وبسيلة والفول كما أفاده بقوله : ( وكل ما ثبت معرفته عند الناس أنه قطنية ) لإقامته وهو الفول والبسيلة والترمس وليس منها الكرسنة على المذهب كما مر .

                                                                                                          ( فإذا حصد الرجل [ ص: 197 ] من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول - صاع النبي صلى الله عليه وسلم - وإن كان ) المحصود ( من أصناف القطنية ) السبعة ( كلها ليس من صنف واحد من القطنية فإنه ، يجمع ذلك بعضه إلى بعض ) بدل من ذلك ( وعليه في الزكاة ) لتقارب المنافع .

                                                                                                          ( قال مالك : وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة فيما أخذ من النبط ) بفتح النون والموحدة ؛ النصارى التجار لما قدموا المدينة بالتجارة ، ( ورأى أن القطنية كلها صنف واحد فأخذ منها العشر ، وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر ) يريد أن يكثر الحمل إلى المدينة ، كما يأتي في عشور أهل الذمة .

                                                                                                          ( قال مالك : فإن قال قائل : كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة والرجل يأخذ ) أي : يشتري ( منها ) من القطاني ( اثنين بواحد ) كأردبين لوبيا بأردب عدس ( يدا بيد ) أي : مناجزة ، ( ولا يؤخذ من الحنطة اثنان بواحد يدا بيد ؟ قيل له ) في الجواب : لا تلازم بين البابين ( فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة ، وقد يؤخذ بالدينار أضعافه في العدد من الورق يدا بيد ) فليست المسألة مبنية على تحريم التفاضل فيها حتى يأتي سؤالك ، فقد يحرم التفاضل في أشياء وليست بجنس واحد في الزكاة ، وقد يباح وهو جنس واحد كالذهب والفضة ، فالزكاة لا تعتبر فيها المجانسة العينية ؛ بل تقارب المنفعة ، وإن اختلفت العين رفقا بالفقراء بخلاف البيع ، بدليل أن الذهب والفضة جنس واحد في الزكاة وهما جنسان في البيع ، كما أشار له الإمام رحمه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة - إلى أن قال : - فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان ذلك يدا [ ص: 198 ] بيد " .

                                                                                                          ( قال مالك في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر أنه لا صدقة عليهما فيها ) لنقص كل عن النصاب ( وأنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق وللآخر ما يجذ أربعة أوسق أو أقل من ذلك ) أو أزيد ولم يبلغ خمسة ( في أرض واحدة كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق ) لبلوغ النصاب ( وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة ) لأنه لم يملك نصابا .

                                                                                                          ( وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها ) التي فيها الزكاة ( يحصد أو النخل يجذ أو الكرم يقطف ) زبيبه ( فإنه إذا كان كل رجل منهم يجذ من التمر أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق أو يحصد من الحنطة ) وما ضاهاها في أن فيه الزكاة ( خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة ، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه ، وإنما تجب الصدقة على من بلغ جذاذه أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق ) فالمعتبر ملك كل رجل خاصة ، وبهذا قال الكوفيون وأحمد وأبو ثور ، وحجتهم حديث : " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " وهو أصح ما في الباب .

                                                                                                          وقال الشافعي : الشركاء في الزرع والذهب والورق والماشية يزكون زكاة الواحد ، واحتج بأن السلف كانوا يأخذون الزكاة من الحوائط الموقوفة على جماعة ، وليس في حصة كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة ، والشركاء أولى بهذا المعنى من خلطاء الماشية .

                                                                                                          وأجاب ابن زرقون : بأن زكاة الحائط الموقوف على ملك الواقف وهو واحد ولا كذلك الشركاء ، انتهى .

                                                                                                          وأما الخلطاء فقد اشترطنا أيضا أن يملك كل نصابا ، وإنما زكوا كالواحد تنزيلا لهم لنزلته لنص ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ، وظهرت حكمة ذلك بالارتقاء في الراعي ونحوه .

                                                                                                          [ ص: 199 ] ( قال مالك : السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته ) يوم حصاده ( سنين ) ظرف لـ " أمسكه " ( ثم باعه ؛ أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها ) يعني لا فرق بين كون أصلها فائدة أو غيرها في أنه يستقبل بثمنها ( و ) الحال ( أنه لم يكن للتجارة ، وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض يفيدها الرجل ثم يمسكها سنين ثم يبيعها بذهب أو ورق فلا تكون عليه في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها ) وهذا إذا كان للقنية كما قال ولم يكن للتجارة ، وذكر مفهومه بقوله : ( فإن كان أصل تلك العروض للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها إذا كان قد حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به ) إن كان محتكرا ، فإن كان مديرا قومه بعد حول من يوم زكاه كما في المدونة عن ابن القاسم .




                                                                                                          الخدمات العلمية