الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا

                                                                                                                                                                                                قرئ : "يدعو" بالياء والنون، ويدعى كل أناس، على البناء للمفعول، وقرأ الحسن: "يدعوا كل أناس"، على قلب الألف واوا في لغة من يقول: افعوا، والظرف نصب بإضمار [ ص: 537 ] اذكر، ويجوز أن يقال: إنها علامة الجمع، كما في: وأسروا النجوى الذين ظلموا [الأنبياء: 3]، والرفع مقدر كما في: يدعى، ولم يؤت بالنون; قلة مبالاة بها، لأنها غير ضمير، ليست إلا علامة، بإمامهم : بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين، أو كتاب، أو دين، فيقال: يا أتباع فلان، يا أهل دين كذا وكتاب كذا، وقيل: بكتاب أعمالهم، فيقال: يا أصحاب كتاب الخير، ويا أصحاب كتاب الشر، وفي قراءة الحسن: "بكتابهم"، ومن بدع التفاسير: أن الإمام جمع أم، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء رعاية حق عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين ، وألا يفتضح أولاد الزنا، وليت شعري أيهما أبدع ؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته ؟ فمن أوتي : من هؤلاء المدعوين، كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم : قيل: أولئك، لأن من أوتي في معنى الجمع.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم؟ كأن أصحاب الشمال لا يقرؤون كتابهم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: بلى، ولكن إذا اطلعوا على ما في كتابهم، أخذهم ما يأخذ المطالب بالبداء على جناياته، والاعتراف بمساويه، أمام التنكيل به والانتقام منه، من الحياء والخجل والانخزال، وحبسة اللسان، والتتعتع، والعجز عن إقامة حروف الكلام، والذهاب عن تسوية القول; فكأن قراءتهم كلا قراءة، وأما أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك، لا جرم أنهم يقرؤون كتابهم أحسن قراءة وأبينها، ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر: هاؤم اقرءوا كتابيه ، ولا يظلمون فتيلا : ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء، كقوله: ولا يظلمون شيئا [مريم: 60 ]، فلا يخاف ظلما ولا هضما [طه: 112].

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية