الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (45) قوله تعالى : ويوم : منصوب على الظرف . وفي ناصبه أوجه ، أحدها : أنه منصوب بالفعل الذي تضمنه قوله : كأن لم يلبثوا الثاني : أنه منصوب بـ " يتعارفون " . والثالث : أنه منصوب بمقدر ، أي : اذكر يوم . وقرأ الأعمش " يحشرهم " بياء الغيبة ، والضمير لله تعالى لتقدم اسمه في قوله : إن الله لا يظلم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كأن لم يلبثوا قد تقدم الكلام على " كأن " هذه . ولكن اختلفوا في محل هذه الجملة على أوجه ، أحدها : أنها في محل نصب صفة للظرف وهو " يوم " قاله ابن عطية . قال الشيخ : " لا يصح لأن " يوم يحشرهم " معرفة والجمل نكرات ، ولا تنعت المعرفة بالنكرة ، لا يقال : إن الجمل التي يضاف إليها أسماء الزمان نكرة على الإطلاق لأنها إن كانت في التقدير تنحل إلى معرفة فإن ما أضيف إليها يتعرف ، وإن كانت تنحل إلى نكرة كان ما أضيف إليها نكرة ، تقول " مررت في يوم قدم زيد الماضي " فتصف " يوم " بالمعرفة ، و " جئت ليلة قدم زيد المباركة علينا " وأيضا فكأن لم يلبثوا لا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى ؛ لأن ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم . وقد تكلف بعضهم تقدير رابط يربطه [ ص: 209 ] فقدره " كأن لم يلبثوا قبله " فحذف " قبله " ، أي : قبل اليوم ، وحذف مثل هذا الرباط لا يجوز " ، قلت : قوله : " بعضهم " ، هو مكي ابن أبي طالب فإنه قال : " الكاف وما بعدها من " كأن " صفة لليوم ، وفي الكلام حذف ضمير يعود على الموصوف تقديره : كأن لم يلبثوا قبله ، فحذف " قبل " فصارت الهاء متصلة بـ " يلبثوا " فحذفت لطول الاسم كما تحذف من الصلات " ، ونقل هذا التقدير أيضا أبو البقاء ولم يسم قائله فقال : " وقيل " فذكره .

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني : أن تكون الجملة في محل نصب على الحال من مفعول " يحشرهم " ، أي : يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة ، هذا تقدير الزمخشري . وممن جوز الحالية أيضا ابن عطية ومكي وأبو البقاء ، وجعله بعضهم هو الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثالث : أن تكون الجملة نعتا لمصدر محذوف ، والتقدير : يحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا " ذكر ذلك ابن عطية وأبو البقاء ومكي . وقدر مكي وأبو البقاء العائد محذوفا كما قدراه حال جعلهما الجملة صفة لليوم ، وقد تقدم ما في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : قال ابن عطية : " ويصح أن يكون قوله كأن لم يلبثوا كلاما [ ص: 210 ] مجملا " ولم يبين الفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ : " ولعله أراد ما قاله الحوفي من أن الكاف في موضع نصب بما تضمنته من معنى الكلام وهو السرعة " انتهى . قال : " فيكون التقدير : ويوم يحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا " قلت : فيكون " يسرعون " حالا من مفعول " يحشرهم " ويكون كأن لم يلبثوا حالا من فاعل " يسرعون " ، ويجوز أن تكون " كأن لم " مفسرة لـ " يسرعون " المقدرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يتعارفون فيه أوجه ، أحدها : أن الجملة في محل نصب على الحال من فاعل " يلبثوا " . قال الحوفي : " يتعارفون " فعل مستقبل في موضع الحال من الضمير في " يلبثوا " وهو العامل ، كأنه قال : متعارفين ، والمعنى اجتمعوا متعارفين " . والثاني : أنها حال من مفعول " يحشرهم " أي : يحشرهم متعارفين والعامل فعل الحشر ، وعلى هذا فمن جوز تعدد الحال جوز أن تكون " كأن لم " حالا أولى ، وهذه حال ثانية ، ومن منع ذلك جعل " كأن لم " على ما تقدم من غير الحالية . قال أبو البقاء : " وهي حال مقدرة لأن التعارف لا يكون حال الحشر " . والثالث : مستأنفة ، أخبر تعالى عنهم بذلك قال الزمخشري : " فإن قلت : كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما ؟ قلت : أما الأولى فحال منهم أي : يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة ، وأما الثانية : فإما أن تتعلق بالظرف - يعني فتكون حالا - وإما أن تكون مبينة لقوله : كأن لم يلبثوا إلا ساعة ؛ لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرا " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 211 ] قوله : قد خسر فيها وجهان ، أحدهما : أنها مستأنفة أخبر تعالى بأن المكذبين بلقائه خاسرون لا محالة ، ولذلك أتى بحرف التحقيق . والثاني : أن يكون في محل نصب بإضمار قول أي : قائلين قد خسر الذين . ثم لك في هذا القول المقدر وجهان ، أحدهما : أنه حال من مفعول " يحشرهم " أي : يحشرهم قائلين ذلك . والثاني : أنه حال من فاعل " يتعارفون " . وقد ذهب إلى الاستئناف والحالية من فاعل " يتعارفون " الزمخشري فإنه قال : " هو استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أحشرهم " ثم قال : " قد خسر " على إرادة القول أي : يتعارفون بينهم قائلين ذلك " ، وذهب إلى أنها حال من مفعول " يحشرهم " ابن عطية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وما كانوا مهتدين يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أن تكون معطوفة على قوله " قد خسر " فيكون حكمه حكمه . والثاني : أن تكون معطوفة على صلة الذين ، وهي كالتوكيد للجملة التي وقعت صلة ؛ لأن من كذب بلقاء الله غير مهتد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية