الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وقال " يعني نوحا للذين أمر بحملهم " اركبوا " السفينة . قال ابن عباس : ركبوا فيها لعشر مضين من رجب ، وخرجوا منها يوم عاشوراء . وقال ابن جريج : رفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ، فأتت [ ص: 108 ] موضع البيت فطافت به أسبوعا ، وكان البيت قد رفع في ذلك الوقت ، ورست بباقردى على الجودي يوم عاشوراء . وقال ابن عباس : قرض الفأر حبال السفينة ، فشكا نوح ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه ، فمسح ذنب الأسد ، فخرج سنوران وكان في السفينة عذرة ، فشكا ذلك إلى ربه ، فأوحى الله تعالى إليه ، فمسح ذنب الفيل ، فخرج خنزيران فأكلا ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " بسم الله مجراها ومرساها " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبوبكر عن عاصم : " مجراها " بضم الميم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " مجراها " بفتح الميم وكسر الراء . وكلهم قرؤوا بضم الميم من " مرساها " إلا أن ابن كثير ، وأبا عمرو ، وابن عامر ، وحفصا عن عاصم ، كانوا يفتحون السين . ونافع ، وأبو بكر عن عاصم ، كانا يقرآنها بين الكسر والتفخيم . وكان حمزة ، والكسائي ، وخلف ، يميلونها . وليس في هؤلاء أحد جعلها نعتا لله ، وإنما جعل الوصفين نعتا لله تعالى ، الحسن ، وقتادة ، وحميد الأعرج ، وإسماعيل بن مجالد عن عاصم ، فقرؤوا " مجريها ومرسيها " بضم الميم وبياءين صحيحتين ، مثل مبديها ومنشيها . وقرأ ابن مسعود : " مجراها " بفتح الميم ، وإمالة الراء بعدها ألف ، " ومرساها " برفع الميم ، وإمالة السين بعدها ألف . وقرأ أبو رزين ، وأبو المتوكل : " مجراها " بفتح الميم والراء ، وبألف بعدها ، ومرساها ، برفع الميم وفتح السين ، وبألف بعدها . وقرأ أبو الجوزاء ، وابن يعمر : " مجراها ومرساها " بفتح الميم فيهما جميعا ، وفتح الراء والسين ، وبألف بعدهما . [ ص: 109 ] وقرأ يحيى بن وثاب بفتح الميمين ، إلا أنه أمال الراء والسين فيهما . وقرأ أبو عمران الجوني ، وابن جبير ، برفع الميم فيهما ، وفتح الراء والسين ، وبألف بعدهما جميعا . فمن قرأ بضم الميمين ، جعله من أجرى وأرسى . ومن فتحهما ، جعله مصدرا من جرى الشيء يجري مجرى ، ورسى يرسي مرسى . قال الزجاج : قوله " بسم الله " أي : بالله ، والمعنى : أنه أمرهم أن يسموا في وقت جريها ووقت استقرارها .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ بضم الميمين ، فالمعنى : بالله إجراؤها ، وبالله إرساؤها . ومن فتحهما ، فالمعنى : بالله يكون جريها ، وبالله يقع إرساؤها ، أي : إقرارها . وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول : من ضم الميم في " مجراها " أراد : أجراها الله مجرى ، ومن فتحها ، أراد : جرت مجرى . وقال الضحاك : كان إذا أراد أن تجري ، قال : بسم الله فجرت . وإذا أراد أن ترسي ، قال : بسم الله ، فرست .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية