الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه وهب لإبراهيم ابنه إسحاق ، وابن ابنه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وأنه جعل الجميع صالحين . وقد أوضح البشارة بهما في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [ 11 \ 71 ] وقوله : وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين [ 37 \ 112 ] وقد أشار تعالى في سورة " مريم " إلى أنه لما هجر الوطن والأقارب عوضه الله من ذلك قرة العين بالذرية الصالحة ، وذلك في قوله : فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا [ 19 \ 49 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في هذه الآية الكريمة : نافلة قال فيه ابن كثير : قال عطاء ومجاهد : نافلة : عطية . وقال ابن عباس ، وقتادة ، والحكم بن عتيبة : النافلة : ولد الولد ، يعني أن [ ص: 166 ] يعقوب ولد إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أصل النافلة في اللغة : الزيادة على الأصل ، ومنه النوافل في العبادات ؛ لأنها زيادات على الأصل الذي هو الفرض ، وولد الولد زيادة على الأصل الذي هو ولد الصلب ، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي :


                                                                                                                                                                                                                                      فإن تك أنثى من معد كريمة علينا فقد أعطيت نافلة الفضل

                                                                                                                                                                                                                                      أي أعطيت الفضل عليها ، والزيادة في الكرامة علينا ، كما هو التحقيق في معنى بيت أبي ذؤيب هذا ، وكما شرحه به أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري في شرحه لأشعار الهذليين . وبه تعلم أن إيراد صاحب اللسان بيت أبي ذؤيب المذكور مستشهدا به لأن النافلة الغنيمة - غير صواب ، بل هو غلط . مع أن الأنفال التي هي الغنائم راجعة في المعنى إلى معنى الزيادة ؛ لأنها زيادة تكريم أكرم الله بها هذا النبي الكريم فأحلها له ولأمته . أو لأن الأموال المغنومة أموال أخذوها زيادة على أموالهم الأصلية بلا ثمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : نافلة فيه وجهان من الإعراب ، فعلى قول من قال : النافلة العطية فهو ما ناب عن المطلق من " وهبنا " أي : وهبنا له إسحاق ويعقوب هبة . وعليه النافلة مصدر جاء بصيغة اسم الفاعل كالعاقبة والعافية . وعلى أن النافلة بمعنى الزيادة فهو حال من " يعقوب " أي : وهبنا له يعقوب في حال كونه زيادة على إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية