الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (53) قوله تعالى : أحق هو : يجوز أن يكون " حق " مبتدأ و " هو " مرفوعا بالفاعلية سد مسد الخبر ، و " حق " وإن كان في الأصل مصدرا ليس بمعنى اسم فاعل ولا مفعول ، لكنه في قوة " ثابت " فلذلك رفع الظاهر . ويجوز أن يكون " حق " خبرا مقدما و " هو " مبتدأ مؤخرا .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في " يستنبئونك " هذه هل هي متعدية إلى واحد أو إلى اثنين أو إلى ثلاثة ؟ فقال الزمخشري : " ويستنبئونك فيقول : أحق هو " فظاهر هذه العبارة أنها متعدية لواحد ، وأن الجملة الاستفهامية في محل نصب بذلك القول المضمر المعطوف على " يستنبئونك " وكذا فهم عنه الشيخ أعني تعديها لواحد . وقال مكي : " أحق هو ابتداء وخبر في موضع المفعول الثاني إذا جعلت " يستنبئونك " بمعنى يستخبرونك ، فإذا جعلت " يستنبئونك [ ص: 219 ] بمعنى يستعلمونك كان " أحق هو " ابتداء وخبرا في موضع المفعولين لأن " أنبأ " إذا كان بمعنى أعلم كان متعديا إلى ثلاثة مفعولين يجوز الاكتفاء بواحد ، ولا يجوز الاكتفاء باثنين دون الثالث ، وإذا كانت " أنبأ " بمعنى أخبر تعدت إلى مفعولين ، لا يجوز الاكتفاء بواحد دون الثاني : وأنبأ ونبأ في التعدي سواء " . وقال ابن عطية : " معناه يستخبرونك ، وهو على هذا يتعدى إلى مفعولين أحدهما الكاف ، والآخر في الابتداء والخبر " فعلى ما قال تكون " يستنبئونك " معلقة بالاستفهام ، وأصل استنبأ أن يتعدى إلى مفعولين أحدهما بـ " عن " ، تقول : استنبأت زيدا عن عمرو أي : طلبت منه أن ينبئني عن عمرو . ثم قال : " والظاهر أنها تحتاج إلى مفعولين ثلاثة أحدهما الكاف ، والابتداء والخبر سد مسد المفعولين " . قال الشيخ : " وليس كما ذكر لأن " استعلم " لا يحفظ كونها متعدية إلى مفاعيل ثلاثة ، لا يحفظ " استعلمت زيدا عمرا قائما " فتكون جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين ، ولا يلزم من كونها بمعنى " يستعلمونك " أن تتعدى إلى ثلاثة ؛ لأن " استعلم " لا يتعدى إلى ثلاثة كما ذكرنا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : قد سبق أبا محمد إلى هذا مكي بن أبي طالب كما قدمت حكايته عنه ، والظاهر جواز ذلك ، ويكون التعدي إلى ثالث قد حصل بالسين ، لأنهم نصوا على أن السين تعدي ، فيكون الأصل : " علم زيد عمرا قائما " ثم تقول : " استعلمت زيدا عمرا قائما " ، إلا أن النحويين نصوا على أنه لا يتعدى إلى ثلاثة إلا " علم " و " رأى " المنقولين بخصوصية همزة التعدي إلى ثالث ، وأنبأ ونبأ وأخبر وخبر وحدث .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 220 ] وقرأ الأعمش " آلحق " بلام التعريف . قال الزمخشري : " وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل ، ذلك أن اللام للجنس وكأنه قيل : أهو الحق لا الباطل ، أو : أهو الذي سميتموه الحق " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إي حرف جواب بمعنى نعم ولكنها تختص بالقسم أي : لا تستعمل إلا في القسم بخلاف نعم . قال الزمخشري : " وإي بمعنى نعم في القسم خاصة كما كان " هل " بمعنى " قد " في الاستفهام خاصة ، وسمعتهم يقولون في التصديق " إيو " فيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده " . قال الشيخ : " لا حجة فيما سمعه لعدم الحجة في كلام من سمعه لفساد كلامه وكلام من قبله بأزمان كثيرة " . وقال ابن عطية : " وهي لفظة تتقدم القسم بمعنى نعم ، ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء تقول : إي وربي ، إي ربي " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وما أنتم بمعجزين يجوز أن تكون الحجازية ، وأن تكون التميمية ، لخفاء النصب أو الرفع في الخبر . وهذا عند غير الفارسي وأتباعه ، أعني جواز زيادة الباء في خبر التميمية . وهذه الجملة تحتمل وجهين ، أحدهما : أن تكون معطوفة على جواب القسم ، فيكون قد أجاب القسم بجملتين إحداهما مثبتة مؤكدة بـ " إن " واللام ، والأخرى منفية مؤكدة بزيادة الباء . والثاني : أنها مستأنفة سيقت للإخبار بعجزهم عن التعجيز . و " معجز " من أعجز فهو متعد لواحد كقوله تعالى : ولن نعجزه هربا فالمفعول هنا محذوف أي : [ ص: 221 ] بمعجزين الله . وقال الزجاج : " أي : ما أنتم ممن يعجز من يعذبكم " . ويجوز أن يكون استعمل استعمال اللازم ؛ لأنه قد كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب : " أعجز فلان " : إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية