الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1929 باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردا

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب كراهة إفراد يوم الجمعة، بصوم لا يوافق عادته ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 18 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصم أحدكم (يوم الجمعة )، إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده". ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              فيه: أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم.

                                                                                                                              وبه قال الجمهور من الشافعية وموافقيهم. إلا أن يوافق عادة له.

                                                                                                                              فإن وصله بيوم قبله أو بعده، أو وافق عادة له ؛ بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا. فوافق يوم الجمعة، لم يكره. لهذا الحديث.

                                                                                                                              [ ص: 145 ] ويؤيده: حديث جابر في الصحيحين، وغيرهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الجمعة ).

                                                                                                                              قال النووي : وأما قول مالك في (الموطأ ): لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن به يقتدى، نهى عن صيام (يوم الجمعة ).

                                                                                                                              وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه. وأراه كان يتحراه. فهذا الذي قاله: هو الذي رآه.

                                                                                                                              وقد رأى غيره: خلاف ما رأى هو.

                                                                                                                              قال: والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره. وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعين القول به.

                                                                                                                              ومالك معذور، فإنه لم يبلغه.

                                                                                                                              قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكا هذا الحديث. ولو بلغه لم يخالفه.

                                                                                                                              قال الشوكاني في ( السيل الجرار ): والحاصل: أن صوم يوم (الجمعة ) منهي عنه، إلا أن يصوم صوما قبله أو بعده، أو يوافق صوما كان يصومه.

                                                                                                                              وقد تشدد النبي صلى الله عليه وسلم على (جويرية )، لما دخل عليها وهي صائمة ( يوم الجمعة ). فقال لها: [ ص: 146 ] ( " أصمت أمس ؟ " قالت: لا. قال: "تصومين غدا ؟ " قالت: لا.

                                                                                                                              قال: "فأفطري " ).
                                                                                                                              كما في البخاري.

                                                                                                                              قال: وهذا الحديث، يقيد به: إطلاق حديث جابر المتقدم.

                                                                                                                              قال: وقد تقدم جواز صوم (يوم السبت )، مع صوم يوم الجمعة.

                                                                                                                              فيكون النهي عن صوم (يوم السبت )، مقيدا بهذا القيد.

                                                                                                                              ويحمل عليه: ما روي من صومه صلى الله عليه وسلم (يوم السبت ). انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : قال العلماء: والحكمة في النهي عنه، أن (يوم الجمعة ) يوم دعاء، وذكر، وعبادة ؛ من الغسل، والتبكير إلى الصلاة، وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها.

                                                                                                                              لقول الله تعالى: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا ،

                                                                                                                              وغير ذلك من العبادات في يومها.

                                                                                                                              فاستحب الفطر فيه. فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط، وانشراح لها، والتذاذ بها، من غير ملل ولا سآمة.

                                                                                                                              وهو نظير الحاج يوم عرفة (بعرفة ). فإن السنة له: ( الفطر ).

                                                                                                                              [ ص: 147 ] فإن قيل: لو كان كذلك، لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده، لبقاء المعنى ؛ فالجواب: أنه يحصل له، بسبب فضيلة الصوم الذي قبله أو بعده: ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة، بسبب صومه.

                                                                                                                              فهذا هو المعتمد، في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة.

                                                                                                                              وقيل: سببه خوف المبالغة في تعظيمه، بحيث يفتتن به، كما افتتن قوم بالسبت.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا ضعيف، منتقض بصلاة الجمعة وغيرها ؛ مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه.

                                                                                                                              وقيل: سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه. وهذا ضعيف، منتقض بيوم الاثنين، فإنه يندب صومه.

                                                                                                                              ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد، وبيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وغير ذلك.

                                                                                                                              قال النووي : فالصواب ما قدمنا. والله أعلم. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: الظاهر: أن يوم ( الجمعة ) يوم عيد. ويوم العيد لا يصلح للصوم. فالجمعة لا ينبغي الصوم فيها.

                                                                                                                              [ ص: 148 ] ثم لا علينا إن لم نعلم حكم الأحكام الشرعية، التي جاءت إلينا من حضرة الشارع، عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                              فإنما نحن متعبدون بتلك الأحكام. ولسنا مكلفين بمعرفة حكمها.




                                                                                                                              الخدمات العلمية