الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ؛ المعنى: " قالت اليهود: كونوا هودا؛ وقالت النصارى: كونوا نصارى " ؛ وجزم " تهتدوا " ؛ على الجواب للأمر؛ وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة؛ المعنى: إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا؛ فجزم " تهتدوا " ؛ على الحقيقة؛ جواب الجزاء. وقوله - عز وجل -: بل ملة إبراهيم حنيفا ؛ تنصب الملة على تقدير: بل نتبع ملة إبراهيم؛ ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهل ملة إبراهيم؛ وتحذف الأهل؛ كما قال الله - عز وجل -: واسأل القرية التي كنا فيها ؛ لأن القرية لا تسأل؛ ولا تجيب؛ ويجوز الرفع: " بل ملة إبراهيم حنيفا " ؛ والأجود والأكثر: النصب؛ ومجاز الرفع على معنى: " قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم " ؛ ونصب " حنيفا " ؛ على الحال؛ المعنى: بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفته؛ ومعنى " الحنيفة " ؛ في اللغة: الميل؛ فالمعنى أن إبراهيم حنيف إلى دين الله؛ دين الإسلام؛ كما قال - عز وجل -: إن الدين عند الله الإسلام ؛ فلم يبعث نبي إلا به؛ وإن اختلفت شرائعهم؛ فالعقد توحيد الله - عز وجل - والإيمان برسله؛ وإن اختلفت الشرائع؛ [ ص: 214 ] إلا أنه لا يجوز أن تترك شريعة نبي؛ أو يعمل بشريعة نبي قبله تخالف شريعة نبي الأمة التي يكون فيها ؛ وإنما أخذ " الحنف " ؛ من قولهم: " امرأة حنفاء " ؛ و " رجل أحنف " ؛ وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما بأصابعها إلى أختها بأصابعها؛ قالت أم الأحنف بن قيس ؛ وكانت ترقصه؛ وخرج سيد بني تميم :


                                                                                                                                                                                                                                        والله لولا حنف في رجله ... ودقة في ساقه من هزله



                                                                                                                                                                                                                                        ما كان في فتيانكم من مثله

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية