الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر

                                                                                                          710 حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة قال وفي الباب عن كعب بن عاصم وابن عباس وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث جابر حديث حسن صحيح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس من البر الصيام في السفر واختلف أهل العلم في الصوم في السفر فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الفطر في السفر أفضل حتى رأى بعضهم عليه الإعادة إذا صام في السفر واختار أحمد وإسحق الفطر في السفر وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إن وجد قوة فصام فحسن وهو أفضل وإن أفطر فحسن وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك وقال الشافعي وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر وقوله حين بلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله فأما من رأى الفطر مباحا وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عام الفتح ) أي فتح مكة ( حتى ، بلغ كراع الغميم ) بضم الكاف ، والغميم بفتح المعجمة وهو اسم واد أمام عسفان قاله الحافظ ( فدعا بقدح من ماء ) زاد في رواية مسلم : فرفعه ( فقال أولئك العصاة ) جمع العاصي : وفي رواية مسلم : أولئك العصاة أولئك العصاة مكررا مرتين . قال النووي : هذا محمول على من تضرر بالصوم ، أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب ، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيا إذا لم يتضرر به ويؤيد التأويل الأول قوله : فقيل إن الناس قد شق عليهم الصيام .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن كعب بن عاصم ) أخرجه أحمد . قال الحافظ في التلخيص : روى أحمد من حديث كعب بن عاصم الأشعري بلفظ : ليس من امبر مصيام في مسفر ، وهذه لغة لبعض أهل اليمن يحملون لام التعريف ميما ، ويحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- خاطب بها هذا الأشعري كذلك لأنها لغته ، ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته فحملها الراوي عنه وأداها باللفظ الذي سمعها به ، وهذا الثاني أوجه عندي ، والله تعالى أعلم ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( حديث جابر حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس من البر الصيام في السفر ) أخرجه البخاري ومسلم [ ص: 325 ] عن جابر قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال " ما هذا؟ " قالوا : صائم ، فقال : " ليس من البر الصوم في السفر " ، ترجم البخاري في صحيحه : باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن ظلل عليه واشتد الحر : " ليس من البر الصوم في السفر " ، قال الحافظ : أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله -صلى الله عليه وسلم- : ليس من البر الصيام في السفر . ما ذكر من المشقة ، وأن من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( واختلف أهل العلم في الصوم في السفر إلخ ) قال الحافظ في فتح الباري : وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة : لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض ، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى : فعدة من أيام أخر ولقوله -صلى الله عليه وسلم- : ليس من البر الصيام في السفر ، ومقابلة البر الإثم ، وإذا كان آثما بصومه لم يجزئه ، وهذا قول بعض أهل الظاهر ، وحكي عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم ، واحتجوا بقوله تعالى : ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قالوا : ظاهره فعليه عدة ، أو فالواجب عدة ، وتأوله الجمهور بأن التقدير : فأفطر فعدة ، ومقابل هذا القول قول من قال إن الصوم في السفر لا يجوز لمن خاف على نفسه الهلاك والمشقة الشديدة ، حكاه الطبري عن قوم .

                                                                                                          وذهب أكثر العلماء ـ ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة ـ إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه ، وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة ، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وقال آخرون : هو مخير مطلقا ، وقال آخرون : أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى : يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ، واختاره ابن المنذر . والذي يترجح قول الجمهور ، ولكن قد يكون [ ص: 326 ] الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به ، وكذلك من ظن به الإعراض عن قبول الرخصة كما في المسح على الخفين ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى إلخ ) والظاهر أن قوله : ليس من البر إلخ ، وقوله : أولئك العصاة ، محمول على من تضرر بالصوم وشق عليه كما تقدم .




                                                                                                          الخدمات العلمية