الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن ولغ الخنزير ، فقد قال ابن القاص : قال في القديم : يغسل مرة .

                                      وقال سائر أصحابنا : يحتاج إلى سبع مرات .

                                      وقوله في القديم مطلق ; لأنه قال : يغسل وأراد به سبع مرات ، والدليل عليه أن الخنزير أسوأ حالا من الكلب [ على ما بيناه ] ، فهو باعتبار العدد أولى ) .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 604 ] الشرح ) : حاصل ما ذكره أن في ولوغ الخنزير طريقين ( أحدهما ) : فيه قولان وهي طريقة ابن القاص ( أحدهما ) : يكفي مرة بلا تراب كسائر النجاسات ( والثاني ) : يجب سبع مع التراب .

                                      ( والطريق الثاني ) : يجب سبع قطعا ، وبه قال الجمهور ، وتأولوا نصه في القديم كما أشار إليه المصنف .

                                      واعلم أن الراجح من حيث الدليل أنه يكفي غسلة واحدة بلا تراب ، وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير .

                                      وهذا هو المختار ; لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع ، لا سيما في هذه المسألة المبنية على التعبد ، وممن قال يجب غسله سبعا أحمد ومالك في رواية عنه .

                                      قال صاحب العدة : ويجري هذا الخلاف الذي في الخنزير فيما أحد أبويه كلب أو خنزير .

                                      وذكر صاحب التلخيص في المتولد بين الكلب والخنزير قولين ، وهذا صحيح ; لأن الشرع إنما ورد في الكلب وهذا المتولد لا يسمى كلبا .



                                      ( فرع ) : في مسائل مهمة - تتعلق بالولوغ - مختصرة جدا ( إحداها ) : قال أصحابنا : لا فرق بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه ، فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو منه شيئا طاهرا مع رطوبة أحدهما وجب غسله سبعا إحداهن بالتراب ، وقد ذكر المصنف هذا في أوائل مسائل الولوغ .

                                      وقيل : يكفي غسله في غير الولوغ مرة كسائر النجاسات ، حكاه المتولي والرافعي وغيرهما ، وهذا الوجه متجه وقوي من حيث الدليل ; لأن الأمر بالغسل سبعا من الولوغ إنما كان لينفرهم عن مؤاكلة الكلب ، وهذا مفقود في غير الولوغ ، والمشهور في المذهب أنه يجب سبعا مع التراب ، وبه قطع الجمهور ; لأنه أبلغ في التنفير من مقاربتها واقتنائها والله أعلم .

                                      ( الثانية ) : لا يكفي التراب النجس على أصح الوجهين ; لأنه ليس بطهور ، والثاني : يكفي ; لأن الغرض الاستظهار به .



                                      ( الثالثة ) : لو تنجست أرض ترابية بنجاسة الكلب كفى الماء وحده سبع مرات من غير تراب أجنبي على أصح الوجهين ; إذ لا معنى لتتريب التراب .



                                      [ ص: 605 ] الرابعة ) : قال أصحابنا : لا يكفي في استعمال التراب ذره على المحل بل لا بد من ماء يمزجه به ليصل التراب بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ويتكدر به وسواء طرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو أخذ الماء الكدر من موضع وغسل به ولا يجب إدخال اليد في الإناء ، بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه .

                                      وحكى صاحب الحاوي في قدر التراب الواجب وجهين ( أحدهما ) : ما يقع عليه الاسم ( والثاني ) : ما يستوجب محل الولوغ قال صاحب البحر : هذا هو المشهور .



                                      ( الخامسة ) : لو غسله ستا بالماء ثم مزج التراب بماء ورد أو خل ونحوه من المائعات وغسله بها السابعة لم يكفه على الصحيح وفيه وجه مشهور عند الخراسانيين أنه يكفي ، وهو خطأ ظاهر كما لو غسل السبع بخل وتراب فإنه لا يجزئ بالاتفاق .



                                      ( السادسة ) : لو ولغ الكلب في إناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله وبقي الباقي على طهارته السابقة وينتفع به كما في الفأرة تموت في السمن ونحوه .

                                      قال أصحابنا وممن صرح به صاحبا الشامل والبيان وآخرون .

                                      قال أصحابنا : ضابط الجامد : أنه إذا أخذ منه قطعة لا يتراد من الباقي ما يملأ موضع القطعة على القرب فإن تراد فهو مائع .



                                      ( السابعة ) : لو ولغ في ماء قليل أو مائع فأصاب ذلك الماء أو المائع ثوبا أو بدنا أو إناء آخر وجب غسله سبع مرات إحداهن بتراب .

                                      ( الثامنة ) : قال أصحابنا : لو ولغ في ماء كثير بحيث لم ينقص بولوغه عن قلتين لم ينجسه ولا ينجس الإناء إن لم يكن أصاب جرمه الذي لم يصله الماء مع رطوبة أحدهما .

                                      ( التاسعة ) : قال أصحابنا : لو وقع الإناء الذي ولغ فيه في ماء قليل نجسه ولم يطهر الإناء وإن وقع في ماء كثير لم ينجس الماء وهل يطهر الإناء ؟ فيه خمسة أوجه حكاها الأصحاب مفرقة وجمعها صاحب البيان وغيره ( أحدها ) : يطهر ; لأنه لو كان كذلك ابتداء لم ينجس ( والثاني ) : يحسب ذلك غسلة فيجب [ ص: 606 ] بعده ست مرات مع التراب ; لأن الإناء ما لم ينفصل عن الماء فهو في حكم غسلة واحدة ( والثالث ) : يحسب ستا ويجب سابعة بتراب ( والرابع ) : إن كان الكلب أصاب نفس الإناء حسب ذلك غسلة ، وإن كان أصاب الماء الذي في الإناء وتنجس الإناء تبعا حسب سبعا ; لأنه تنجس تبعا للماء الذي وقع الآن فيه ( والخامس ) : إن كان الإناء ضيق الرأس حسب مرة وإن كان واسعا طهر ولا حاجة إلى ماء آخر ولا تراب ; لأن الماء يجول فيه مرارا ولم يصح شيء من الأوجه والأظهر أنه يحسب مرة .



                                      ( العاشرة ) : لو كانت نجاسة الكلب عينية كدمه وروثه فلم تزل إلا بست غسلات مثلا فهل يحسب ذلك ستا ؟ أم واحدة ؟ أم لا يحسب شيئا ؟ فيه ثلاثة أوجه ولم أر من صرح بأصحها ، ولعل أصحها أنه يحسب مرة كما قال الأصحاب : يستحب غسل النجاسة في غير الكلب ثلاث مرات فإن لم تزل عينها إلا بغسلات استحب بعد زوال العين غسلة ثانية وثالثة فجعل ما زالت به العين غسلة واحدة .



                                      ( الحادية عشرة ) إذا لم يرد استعمال الإناء الذي ولغ فيه الكلب فهل يجب عليه إراقته ؟ أم يستحب ولا يجب ؟ فيه وجهان حكاهما صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما قال صاحبا الحاوي والبحر : الأصح الذي قاله الجمهور مستحب ولا يجب قياسا على باقي المياه النجسة بخلاف الخمر فإنه يجب إراقتها ; لأن النفوس تطلبها فيخاف الوقوع في شربها والثاني : يجب ويحرم الانتفاع به لقوله صلى الله عليه وسلم { وليرقه } حديث صحيح رواه مسلم كما سبق بيانه ، والأمر للوجوب عند جمهور الفقهاء ، ويفرق بينه وبين سائر النجاسات بأن المراد هنا الزجر والتنفير من الكلاب ، والمبالغة في التغليظ في ذلك ولهذا غلظ بالعدد والتراب .



                                      ( الثانية عشرة ) : لو كان الماء أكثر من قلتين وتغير بالنجاسة ثم ولغ فيه كلب ثم أصاب ذلك الماء ثوبا ، قال صاحب البحر : قال القاضي حسين : يجب غسل الثوب سبعا إحداهن بالتراب ; لأن الماء المتغير بالنجاسة كالخل الذي وقعت فيه نجاسة ، وكذا رأيته في فتاوى القاضي حسين .



                                      [ ص: 607 ] الثالثة عشرة ) : لو أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء أو مائع وأخرجه ولا يعلم هل ولغ فيه أم لا ؟ فإن لم يكن على فمه رطوبة فالمائع طاهر ، وإن كانت عليه رطوبة فطاهر أيضا على أصح الوجهين وقد سبقت المسألة في باب المياه .

                                      ( الرابعة عشرة ) : قال أهل اللغة : يقال ولغ الكلب يلغ بفتح اللام فيهما ، وحكى أبو عمر الزاهد عن ثعلب عن ابن الأعرابي أن من العرب من يقول : ولغ بكسرها والمصدر منهما ولغا وولوغا ويقال : أولغه صاحبه قال : الولوغ في الكلب والسباع كلها أن يدخل لسانه في المائع فيحركه ، ولا يقال ولغ بشيء من جوارحه غير اللسان ، ولا يكون الولوغ لشيء من الطير إلا الذباب قال : ويقال : لحس الكلب الإناء وقفنه ولجنه ولجده - بالجيم فيهما - كله بمعنى إذا كان فارغا فإن كان فيه شيء قيل ولغ وقال صاحب المطالع : الشرب أعم من الولوغ فكل ولوغ شرب ولا عكس .

                                      قال الجوهري : قال أبو زيد : يقال ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا والله أعلم .



                                      ( فرع ) سؤر الهرة والبغل والحمار والسباع والفأرة وسائر الحيوانات غير الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما طاهر لا كراهة فيه عندنا ، فإذا ولغ في طعام جاز أكله بلا كراهة وإذا شرب من ماء جاز الوضوء به .

                                      وقد سبقت المسألة في باب الشك في نجاسة الماء وسبق هناك الأوجه في الهرة إذا أكلت نجاسة ثم ولغت في ماء أو مائع والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية