الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: هذه الطريقة: إنما أراد بها امتناع قدم جميع الجواهر، فهي مبنية على إثبات الجوهر الفرد، حتى يمكن أن يفرض إمكان اجتماع الجواهر وافتراقها، وإلا فإذا قيل: إن من الأجسام ما هو واحد في نفسه، أو كل جسم متشابه فهو واحد في نفسه، أو قيل: إنه مركب من المادة والصورة - لم يلزم الافتراق فيما هو واحد [في نفسه]، ولا يسلم المنازع إمكان افتراق كل جسم، فيمنع قوله: [ ص: 226 ] (لا يخلو من اجتماع وافتراق، وجواز طريان الاجتماع والافتراق) بل ويمكن مع هذا أن يقال: هي مركبة من الجواهر، ويمنع قبول كل منهما للافتراق، لكن يبنيه على أن الجواهر متماثلة، فما جاز على أحدهما جاز على الآخر.

ولا ريب أن تماثل الجواهر والأجسام: إن سلمه المنازع، كان القول بحدوث الأجسام كلها ظاهرا، فإن منها ما هو حادث قطعا، فيكون جميعها قابلا للحدوث، وما قبل الحدوث لم يكن بنفسه موجودا، فلا بد له من صانع، وهو الذي سماه جامعا فارقا.

لكن هم يقولون: إن الحادث المعلوم حدوثه هو الأعراض، وحينئذ فلا يكون في الجواهر ما يعلم حدوثه إلا بالدليل، وإن أراد به امتناع قدم بعض الجواهر، فهذا لا ينازعه فيه من يقول: إن الأعيان المحدثة جواهر، وهم أكثر العقلاء، فإنه من المعلوم بالاضطرار حدوث ما يشهد حدوثه من الحيوان والنبات والمعدن، لكن من يقول بأن الأجسام مركبة من جواهر، قد يقول: إن المحدث تأليف وتركيب، وهي أعراض. وأما جمهور العقلاء فيقولون: إن المحدث المشهود جواهر قائمة بأنفسها.

فالمقصود أن من قال: الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة، فهذه الحجة توجب أنه لا بد لذلك التركيب من مركب.

وكلام الأشعري - الذي ذكره الشهرستاني - مبني على هذا الأصل، ومن نازع في ذلك لم يفده شيئا. [ ص: 227 ]

وإذا دلت هذه الحجة فإنما تدل على حدوث التركيب الذي هو عرض، لا تدل على حدوث الجواهر إلا بالطريقة الأولى، وهي إثبات حدوث التركيب، وامتناع حوادث غير متناهية.

وهذه الطريقة تسلكها الكرامية ونحوهم، ممن يقول: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكنا ثم تحرك لما خلق العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلو من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكنا. والسكون عندهم أمر عدمي وهو عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة.

وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خاليا من الحوادث حتى قامت به، بخلاف الأجسام المركبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق.

التالي السابق


الخدمات العلمية